للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ) أَيِ الْفَضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ رَاءٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ زَايٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْبِرَازَ بِالْكَسْرِ هُوَ الْمُبَارَزَةُ فِي الْحَرْبِ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ مُوَجَّهٌ لِأَنْ يُطْلَقُ بِالْكَسْرِ عَلَى نَفْسِ الْخَارِجِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبِرَازُ الْمُبَارَزَةُ فِي الْحَرْبِ، وَالْبِرَازُ أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنْ تُفْلِ الْغِذَاءِ وَهُوَ الْغَائِطٌ، وَالْبَرَازُ بِالْفَتْحِ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا مَنْ فَتَحَ أَرَادَ الْفَضَاءَ، فَإِنْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْخَارِجِ فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْغَائِطِ، وَمَنْ كَسَرَ أَرَادَ نَفْسَ الْخَارِجِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ) تَقَدَّمَ هَذَا الْإِسْنَادُ بِرُمَّتِهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَفِيهِ تَابِعِيَّانِ عُرْوَةُ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَقَرِينَانِ اللَّيْثُ، وَعَقِيلٌ.

قَوْلُهُ: (الْمَنَاصِعُ) بِالنُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ مَنْصَعٍ بِوَزْنِ مَقْعَدٍ وَهِيَ أَمَاكِنُ مَعْرُوفَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَقِيعِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْصَعُ فِيهَا أَيْ: يَخْلُصُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مَقُولُ عَائِشَةَ. وَالْأَفْيَحُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُتَّسِعُ.

قَوْلُهُ: (احْجُبْ) أَيْ امْنَعْهُنَّ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ; بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ قَالَ لِسَوْدَةَ مَا قَالَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَوَّلًا الْأَمْرَ بِسَتْرِ وُجُوهِهِنَّ، فَلَمَّا وَقَعَ الْأَمْرُ بِوَفْقِ مَا أَرَادَ أَحَبَّ أَيْضًا أَنْ يَحْجُبَ أَشْخَاصَهُنَّ مُبَالَغَةً فِي التَّسَتُّرِ فَلَمْ يُجَبْ؛ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ.

وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَعُدُّ نُزُولَ آيَةِ الْحِجَابِ مِنْ مُوَافَقَاتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ لَهُنَّ فِي التَّسَتُّرِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَالَاتٌ: أَوَّلُهَا بِالظُّلْمَةِ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، انْتَهَى. ثُمَّ نَزَلَ الْحِجَابُ فَتَسَتَّرْنَ بِالثِّيَابِ، لَكِنْ كَانَتْ أَشْخَاصُهُنَّ رُبَّمَا تَتَمَيَّزُ ; وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ لِسَوْدَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ نُزُولِ الْحِجَابِ: أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، ثُمَّ اتُّخِذَتِ الْكُنُفُ فِي الْبُيُوتِ فَتَسَتَّرْنَ بِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ أَيْضًا؛ فَإِنَّ فِيهَا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفُ، وَكَانَ قِصَّةُ الْإِفْكِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ (١) سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ) وَلِلْمُسْتَمْلِي آيَةَ الْحِجَابِ. زَادَ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ الْآيَةَ، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا قِصَّةُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ لَمَّا أَوْلَمَ عَلَيْهَا وَتَأَخَّرَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ فِي الْبَيْتِ وَاسْتَحْيَا النَّبِيُّ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْخُرُوجِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا حَدِيثُ عُمَرَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نِسَاءَكَ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ يَأْكُلُ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَعَائِشَةُ تَأْكُلُ مَعَهُمْ إِذْ أَصَابَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهَا، فَكَرِهَ النَّبِيُّ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُا أَنَّ أَسْبَابَ نُزُولِ الْحِجَابِ تَعَدَّدَتْ، وَكَانَتْ قِصَّةُ زَيْنَبَ آخِرَهَا؛ لِلنَّصِّ عَلَى قِصَّتِهَا فِي الْآيَةِ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ الْحِجَابِ فِي بَعْضِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾

١٤٧ - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: قَدْ أُذِنَ أَنْ تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكُنَّ. قَالَ هِشَامٌ يَعْنِي الْبَرَازَ.


(١) سيأتي للحافظ بن حجر"في الحديث ٤٧٥٠"قوله"وكنت قد أمليت في أوائل كتاب الوضوء"يعني هذا الموضع"أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب. فليصلح هناك"