للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهِ يَلْبَسُ النَّعْلَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.

[الحديث ١٦٦ - أطرافه في: ٥٨٥١، ٢٨٦٥، ١٦٠٩، ١٥٥٢، ١٥١٤]

قَوْلُهُ: (بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ) لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: يَتَوَضَّأُ فِيهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوُضُوءِ هُوَ الْغَسْلُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى الْغَسْلِ، وَلَوْ أُرِيدَ الْمَسْحُ لَقَالَ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ) أَيْ: لَا يُكْتَفَى بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْخُفَّيْنِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ مَسَحُوا عَلَى نِعَالِهِمْ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ صَلَّوْا، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لَكِنْ ضَعَّفَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْخُفَّيْنِ إِذَا تَخَرَّقَا حَتَّى تَبْدُوَ الْقَدَمَانِ أَنَّ الْمَسْحَ لَا يُجْزِئُ عَلَيْهِمَا، قال: فَكَذَلِكَ النَّعْلَانِ لِأَنَّهُمَا لَا يُفِيدَانِ الْقَدَمَيْنِ. انْتَهَى. وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ مُنَازَعٌ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنْ نُشِيرُ إِلَى مُلَخَّصٍ مِنْهَا: فَقَدْ تَمَسَّكَ مَنِ اكْتَفَى بِالْمَسْحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَرْجُلَكُمْ عَطْفًا عَلَى ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ فَذَهَبَ إِلَى ظَاهِرِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ وَالثَّابِتُ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشِّيعَةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الْوَاجِبُ الْغَسْلُ أَوِ الْمَسْحُ، وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَذْكُورَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ، وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ قُرِئَ ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى ﴿أَيْدِيكُمْ﴾ وَقِيلَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ ﴿بِرُءُوسِكُمْ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ بِالنَّصْبِ.

وَقِيلَ: الْمَسْحُ فِي الْآيَةِ مَحْمُولٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَحَمَلُوا قِرَاءَةَ الْجَرِّ عَلَى مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، وَقِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَقَرَّرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ تَقْرِيرًا حَسَنًا، فَقَالَ مَا مُلَخَّصُهُ: بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ تَعَارُضٌ ظَاهِرٌ، وَالْحُكْمُ فِيمَا ظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَجَبَ، وَإِلَّا عَمِلَ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَلَا يَتَأَتَّى الْجَمْعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَكْرَارِ الْمَسْحِ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَتَضَمَّنُ الْمَسْحَ، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَبَقِيَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا فِي حَالَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَعَمَلًا بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ.

وَقِيلَ: إِنَّمَا عُطِفَتْ عَلَى الرُّؤُوسِ الْمَمْسُوحَةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِكَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَلِمَنْعِ الْإِسْرَافِ عُطِفَتْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُمْسَحُ حَقِيقَةً. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمُرَادِ قَوْلُهُ: ﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فَلَا يُقَيَّدُ بِالْغَايَةِ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ، يُقَالُ: مَسَحَ أَطْرَافَهُ. لِمَنْ تَوَضَّأَ، ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ اللُّغَوِيُّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا.

قَوْلُهُ: (عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ) هُوَ مَدَنِيٌّ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جُرَيْجٍ الْفَقِيهِ الْمَكِّيِّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ نَسَبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ جُرَيْجٍ فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذَا عَمُّهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ؛ لِأَنَّ عُبَيْدًا، وَسَعِيدًا تَابِعِيَّانِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعًا) أَيْ أَرْبَعَ خِصَالٍ.

قَوْلُهُ: (لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ) أَيْ: أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَالْمُرَادُ بَعْضُهُمْ، وَالظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ انْفِرَادُ ابْنِ عُمَرَ بِمَا ذُكِرَ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ رَآهُمْ عُبَيْدٌ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَا يَصْنَعُهُنَّ غَيْرُكَ مُجْتَمِعَةً وَإِنْ كَانَ يَصْنَعُ بَعْضَهَا.

قَوْلُهُ: (الْأَرْكَانُ) أَيْ أَرْكَانُ الْكَعْبَةِ الْأَرْبَعَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَآهُمْ