للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا

قَوْلُهُ: (بَابٌ هَلْ يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ يُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْحَاكِمُ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا.

قَوْلُهُ: (كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ) يَعْنِي وَالِدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّاوِيَ الْمَذْكُورَ.

قَوْلُهُ (إِلَى ابْنِهِ) كَذَا وَقَعَ هُنَا غَيْرَ مُسَمًّى، وَوَقَعَ فِي أَطْرَافِ الْمِزِّيِّ إِلَى ابْنِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدْ سُمِّيَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَكِنْ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَتَبَ أَبِي وَكَتَبْتُ لَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَوَقَعَ فِي الْعُمْدَةِ كَتَبَ أَبِي وَكَتَبْتُ لَهُ إِلَى ابْنِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدْ سُمِّيَ إِلَخْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِسِيَاقِ مُسْلِمٍ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ لَفْظَ ابْنِهِ قِيلَ مَعْنَاهُ كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ بِنَفْسِهِ مَرَّةً وَأَمَرَ وَلَدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يَكْتُبَ لِأَخِيهِ فَكَتَبَ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى. قُلْتُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ كَتَبَ أَبِي أَيْ أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ، وَقَوْلَهُ وَكَتَبْتُ لَهُ أَيْ بَاشَرْتُ الْكِتَابَةَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمَكْتُوبِ: إِنِّي سَمِعْتُ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِأَبِي بَكْرَةَ لَا لِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِنَّهُ لَا صُحْبَةَ لَهُ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ بِالْبَصْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرَةَ لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بهَشْتُ لَهُمْ بِقَصَبَةٍ.

قَوْلُهُ (وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَسِجِسْتَانُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ بَعْدَهُمَا مُثَنَّاةٌ سَاكِنَةٌ وَهِيَ إِلَى جِهَةِ الْهِنْدِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَرْمَانَ مِائَةُ فَرْسَخٍ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فَرْسَخًا مَفَازَةً لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ وَيُنْسَبُ إِلَيْهَا سِجِسْتَانِيٌّ وَسِجِزْتِيٌّ بِزَايٍ بَدَلَ السِّينِ الثَّانِيَةِ وَالتَّاءِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَسِجِسْتَانُ لَا تُصْرَفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ أَوْ زِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: كَانَ زِيَادٌ فِي وِلَايَتِهِ عَلَى الْعِرَاقِ قَرَّبَ أَوْلَادَ أَخِيهِ لِأُمِّهِ أَبِي بَكْرَةَ وَشَرَّفَهُمْ وَأَقْطَعَهُمْ وَوَلَّى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرةٍ سِجِسْتَانَ، قَالَ وَمَاتَ أَبُو بَكْرَةَ فِي وِلَايَةِ زِيَادٍ.

قَوْلُهُ: (أَنْ لَا تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنْ لَا تَحْكُمَ.

قَوْلُهُ: (لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ، وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِسَنَدِهِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ لَا يَحْكُمِ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقِصَّةَ. وَالْحَكَمُ بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ الْحَاكِمُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَيِّمِ بِمَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: سَبَبُ هَذَا النَّهْيِ أَنَّ الْحُكْمَ حَالَةَ الْغَضَبِ قَدْ يَتَجَاوَزُ بِالْحَاكِمِ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَمُنِعَ، وَبِذَلِكَ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْحُكْمِ حَالَةَ الْغَضَبِ لِمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ مِنَ التَّغَيُّرِ الَّذِي يَخْتَلُّ بِهِ النَّظَرُ فَلَا يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ قَالَ: وَعَدَّاهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَى كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَغَيُّرُ الْفِكْرِ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطَيْنِ وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَلْبُ تَعَلُّقًا يَشْغَلُهُ عَنِ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَظِنَّةٍ عَلَى مَظِنَّةٍ، وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الْغَضَبِ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَى النَّفْسِ وَصُعُوبَةِ مُقَاوَمَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ لَا يَقْضِ الْقَاضِي إِلَّا وَهُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ وَهُوَ قِيَاسُ مَظِنَّةٍ عَلَى مَظِنَّةٍ صَحِيحٌ، وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ فَإِنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنِ الْحُكْمِ حَالَةَ الْغَضَبِ، فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالَةِ اسْتِقَامَةِ الْفِكْرِ، فَكَانَتْ عِلَّةُ النَّهْيِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ تَغَيُّرُ الْفِكْرِ، وَالْوَصْفُ بِالْغَضَبِ يُسَمَّى عِلَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْجَائِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ