للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْقَفَا، كَمَا أَنَّ الِارْتِدَافَ: اتِّبَاعُ الرِّدْفِ، وَيُكْنَى بِذَلِكَ عَنْ الِاغْتِيَابِ وَتَتَبُّعُ الْمَعَايِبِ، وَمَعْنَى ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ لَا تَحْكُمْ بِالْقِيَافَةِ وَالظَّنِّ، وَالْقِيَافَةُ مَقْلُوبٌ عَنْ الِاقْتِفَاءِ نَحْوُ جَذَبَ وَجَبَذَ، وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِ هَذَا الْأَخِيرِ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّ الْمُرَادَ شَهَادَةُ الزُّورِ أَوِ الْقَوْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوِ الرَّمْيُ بِالْبَاطِلِ: هَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ، وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ قَالَ: أَصْلُ الْقَفْوِ الْعَيْبُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، رَفَعَهُ لَا نَقْفُوا مِنَّا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَا أَقْفُو الْحَوَاضِنَ إِنْ قَفَيْنَا

ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ أَصْلَهُ الْقِيَافَةُ وَهِيَ اتِّبَاعُ الْأَثَرِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ، لَكِنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى الْقَلْبِ، قَالَ: وَالْأَوْلَى بِالصَّوَابِ الْأَوَّلُ انْتَهَى. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا نُقِلَتْ فِي الشَّوَاذِّ عَنْ مُعَاذٍ الْقَارِيِّ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يُقَدِّمُ الْقِيَاسَ عَلَى الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ قَالَ: مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: اتَّبِعُوا فِي ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ هُنَا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ عَامٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، لَا أَقُولُ عَامٌ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ، وَلَا أَمِيرٌ خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ، وَلَكِنْ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ يَحْدُثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَيُهْدَمُ الْإِسْلَامُ.

قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ) بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ لَامٍ وَزْنُ عَظِيمٍ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عِيسَى بْنِ تَلِيدٍ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ يُكْنَى أَبَا عِيسَى بْنَ عُنَيٍّ، بِمُهْمَلَةٍ، ثُمَّ نُونٍ مُصَغَّرٌ، وَهُوَ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ الثِّقَاتِ الْفُقَهَاءِ وَكَانَ يَكْتُبُ لِلْحُكَّامِ.

قَوْلُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ) هُوَ أَبُو شُرَيْحٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلُهُ وَمُهْمَلَةٍ آخِرُهُ، وَهُوَ مِمَّنْ وَافَقَتْ كُنْيَتُهُ اسْمَ أَبِيهِ. قَوْلُهُ (وَغَيْرُهُ) هُوَ ابْنُ لَهِيعَةَ، أَبْهَمَهُ الْبُخَارِيُّ لِضَعْفِهِ، وَجَعَلَ الِاعْتِمَادَ عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الْقِيَاسِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، وَابْنِ لَهِيعَةَ جَمِيعًا، لَكِنَّهُ قَدَّمَ لَفْظَ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ مِثْلُ اللَّفْظِ الَّذِي هُنَا ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ أَبِي شُرَيْحٍ فَقَالَ بِذَلِكَ. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَابِ الْعِلْمِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ فَسَاقَهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: مَا كُنَّا نَدْرِي هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ بِذَلِكَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى أَوِ الْمَعْنَى فَقَطْ، حَتَّى وَجَدْنَا مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ وَحْدَهُ، فَسَاقَهُ بِلَفْظٍ مُغَايِرٍ لِلَّفْظِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: فَعُرِفَ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي حَذَفَهُ الْبُخَارِيُّ هُوَ لَفْظُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ الَّذِي أَبْرَزَهُ هُنَا، وَالَّذِي أَوْرَدَهُ هُوَ لَفْظُ الْغَيْرِ الَّذِي أَبْهَمَهُ، انْتَهَى.

وَسَأَذْكُرُ تَفَاوُتَهُمَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى كَبِيرُ أَمْرٍ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ مُسْلِمًا حَذَفَ ذِكْرَ ابْنِ لَهِيعَةَ عَمْدًا؛ لِضَعْفِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ، حَتَّى وَجَدْتُ الْإِسْمَاعِيلِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حَرْمَلَةَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ابْنِ لَهِيعَةَ، فَعَرَفْتُ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْمَعُهُمَا تَارَةً وَيُفْرِدُ ابْنَ شُرَيْحٍ تَارَةً. وَعِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ فِيهِ شَيْخَانِ آخَرَانِ بِسَنَدٍ آخَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ سَحْنُونٍ:، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِاللَّفْظِ الْمَشْهُورِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي بَابِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ نَفْسًا.

وَأَقُولُ هُنَا: إِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهُ عَنِ الْحَافِظِ هِشَامٍ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ; وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ فَزَادُوا عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ نَفْسٍ وَسَبْعِينَ نَفْسًا، مِنْهُمْ مِنَ الْكِبَارِ شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمِسْعَرٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَالْحَمَّادَانِ، وَمَعْمَرٌ، بَلْ أَكْبَرُ مِنْهُمْ