للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ مِمَّا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ: فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى إِتْقَانِهِمْ فِي الرِّوَايَةِ، وَفِيهِ أَبْيَنُ الْحُجَّةِ وَأَوْضَحُ الدَّلَالَةِ عَلَى تَثْبِيتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ بَعْضَ السُّنَنِ كَانَ يَخْفَى عَنْ بَعْضِهِمْ، وَأَنَّ الشَّاهِدَ مِنْهُمْ كَانَ يُبَلِّغُ الْغَائِبَ مَا شَهِدَ، وَأَنَّ الْغَائِبَ كَانَ يَقْبَلُهُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ وَيَعْتَمِدُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ.

قُلْتُ: خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي الِاصْطِلَاحِ خِلَافُ الْمُتَوَاتِرِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهِ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَلَبِ عُمَرَ مِنْ أَبِي مُوسَى الْبَيِّنَةَ عَلَى حَدِيثِ الِاسْتِئْذَانِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ شَهَادَةِ أَبِي سَعِيدٍ لَهُ وَغَيْرِهِ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا طَلَبَ عُمَرُ مِنْ أَبِي مُوسَى الْبَيِّنَةَ لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِلَّا فَقَدْ قَبِلَ عُمَرُ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ، وَحَدِيثَهُ فِي الطَّاعُونِ، وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ فِي الدِّيَةِ، وَحَدِيثَ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ فِي تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، وَحَدِيثَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ هُوَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَيَنْزِلُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا، وَيُخْبِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخِرَ بِمَا غَابَ عَنْهُ، وَكَانَ غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَحْصِيلُ مَا يَقُومُ بِحَالِهِ وَحَالِ عِيَالِهِ لِيُغْنَى عَنِ الِاحْتِيَاجِ لِغَيْرِهِ، لِيَتَقَوَّى عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنَ الْجِهَادِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى مَنْ أَمْكَنَتْهُ الْمُشَافَهَةُ أَنْ يَعْتَمِدَهَا، وَلَا يَكْتَفِيَ بِالْوَاسِطَةِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ بِغَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ، فَإِنَّ فِيهِ بَيَانُ السَّبَبِ فِي خَفَاءِ بَعْضِ

السُّنَنِ عَلَى بَعْضِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُهُ: وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ عُمَرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ تِجَارَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ، وَتَوْجِيهُ قَوْلِ عُمَرَ: أَلْهَانِي وَاخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْعِلْمِ، وَتَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ مِثْلَهُ، لَكِنْ عِنْدَ مَالِكٍ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ هَذِهِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْلَا آيَتَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ مِمَّا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَوْلُهُ: وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ وَكَذَلِكَ مَا فِي آخِرِهِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ فَهُوَ أَتَمُّ الْجَمِيعِ سِيَاقًا، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي الْبُيُوعِ بِزِيَادَةٍ سَأُبَيِّنُهَا لَكِنْ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ ذِكْرُ الْآيَتَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْأَعْرَجِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَذْكُرُ قِيلَ هَذَا حَدِيثُهُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ تَقَدَّمَ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ مُعَلَّقًا، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الْجَنَائِزِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَكْثَرَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَصَدَّقَتْ عَائِشَةُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: يُكْثِرُ وَلَوْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: الْحَدِيثَ لَقَالَ عَنْ.

قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ) تَقَدَّمَ