للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِلْإِتْيَانِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحُكْمَيْنِ مُجْمَلٌ فِي الْآيَةِ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ بِالْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) كَذَا بِتَكْرَارِ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنٍ زَيْدٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ تَوَضَّأَ، وَفِيهِ: وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا ثُمَّ الْأُخْرَى ثَلَاثًا، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وُضُوءٌ آخَرُ لِكَوْنِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرَ مُتَّحِدٍ.

قَوْلُهُ: (إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي، وَالْحَمَوِيِّ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَدْخُلُ الْمِرْفَقَانِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْمُعْظَمُ: نَعَمْ، وَخَالَفَ زُفَرُ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ إِلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ دَلَّتْ عَلَيْهِ وَهِيَ كَوْنُ مَا بَعْدَ إِلَى مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: الْيَدُ يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ إِلَى الْإِبْطِ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّهُ تَيَمَّمَ إِلَى الْإِبْطِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَلَمَّا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ بَقِيَ الْمِرْفَقُ مَغْسُولًا مَعَ الذِّرَاعَيْنِ بِحَقِّ الِاسْمِ، انْتَهَى.

فَعَلَى هَذَا فَإِلَى هُنَا حَدٌّ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا لِلْمَغْسُولِ، وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنَ السِّيَاقِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَفْظُ إِلَى يُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا، فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ دَلِيلُ عَدَمِ دُخُولِ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ حَفِظْتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ دَلِيلُ الدُّخُولِ كَوْنُ الْكَلَامِ مَسُوقًا لِحِفْظِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، قال: فَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَوَقَفَ زُفَرُ مَعَ الْمُتَيَقَّنِ، انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ لِدُخُولِهِمَا بِفِعْلِهِ ، فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ حَتَّى مَسَّ أَطْرَافَ الْعَضُدَيْنِ، وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ (١). وَفِي الْبَزَّارِ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى جَاوَزَ الْمِرْفَقَ وَفِي الطَّحَاوِيِّ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَسِيلَ الْمَاءُ عَلَى مِرْفَقَيْهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. قال إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إِلَى فِي الْآيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْغَايَةِ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ، فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهَا بِمَعْنَى مَعَ، انْتَهَى.

وَقَدْ قال الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إِيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، فَعَلَى هَذَا فَزُفَرُ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَكَذَا مَنْ قال بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ صَرِيحًا وَإِنَّمَا حَكَى عَنْهُ أَشْهَبُ كَلَامًا مُحْتَمِلًا. وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي آخِرِ الذِّرَاعِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرْتَفَقُ بِهِ فِي الِاتِّكَاءِ وَنَحْوِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ) زَادَ ابْنُ الطَّبَّاعِ كُلَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَفِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِرَأْسِهِ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ. قال الْقُرْطُبِيُّ: الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ يَجُوزُ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا، كَقَوْلِكَ مَسَحْتُ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَمَسَحْتُ بِرَأْسِهِ. وَقِيلَ: دَخَلَتِ الْبَاءُ لِتُفِيدَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْغُسْلَ لُغَةً يَقْتَضِي مَغْسُولًا بِهِ، وَالْمَسْحُ لُغَةً لَا يَقْتَضِي مَمْسُوحًا بِهِ، فَلَوْ قال: وَامْسَحُوا رُءُوسَكُمْ لَأَجْزَأَ الْمَسْحُ بِالْيَدِ بِغَيْرِ مَاءٍ، فَكَأَنَّهُ قال: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمُ الْمَاءَ فَهُوَ عَلَى الْقَلْبِ، وَالتَّقْدِيرُ: امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ بِالْمَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: احْتَمَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ جَمِيعَ الرَّأْسِ أَوْ بَعْضَهُ، فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ يُجْزِئُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ فِي اتَّيَمُّمِ أَنَّ


(١) وأصح من هذه الأحاديث ما رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة في صفة وضوء النبي قال فيه "ثم غسل يديه حتى أشرع في العضد-الى أن قال- ثم غسل رجليه حتى أشرع في الساق" فهذا الحديث صحيح صريح في إدخال الكعبين والمرفقين في المغسول