للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَلَمَةَ اجْتَمَعَ بِعَمْرٍو بَعْدُ فَسَمِعَهُ مِنْهُ، وَيُقَوِّيهِ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ مَنْدَهْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ بِإِثْبَاتِ ذِكْرِ الْعِمَامَةِ فِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَفَرُّدِ الْأَوْزَاعِيِّ بِذِكْرِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَخْطِئَتُهُ، لِأَنَّهَا تَكُونُ زِيَادَةً مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ غَيْرَ مُنَافِيَةٍ لِرِوَايَةِ رُفْقَتِهِ فَتُقْبَلُ، وَلَا تَكُونُ شَاذَّةً، وَلَا مَعْنَى لِرَدِّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ بِهَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ الْوَاهِيَةِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقِيلَ: إِنَّهُ كَمَّلَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَسْحِ النَّاصِيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَرَضَ اللَّهُ مَسْحَ الرَّأْسِ، وَالْحَدِيثُ فِي مَسْحِ الْعِمَامَةِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ، فَلَا يُتْرَكُ الْمُتَيَقَّنُ لِلْمُحْتَمَلِ. قال: وَقِيَاسُهُ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَزْعُهُ بِخِلَافِهَا، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِينَ أَجَازُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ شَرَطُوا فِيهِ الْمَشَقَّةَ فِي نَزْعِهَا كَمَا فِي الْخُفِّ، وَطَرِيقُةُ أَنْ تَكُونَ مُحَنَّكَةً كَعَمَائِمِ الْعَرَبِ، وَقَالُوا عُضْوٌ يَسْقُطُ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلِهِ كَالْقَدَمَيْنِ، وَقَالُوا: الْآيَةُ لَا تَنْفِي ذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرَكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قال: قَبَّلْتُ رَأْسَ فُلَانٍ يَصْدُقُ وَلَوْ كَانَ عَلَى حَائِلٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالطَّبَرِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: إِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَرْشُدُوا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٤٩ - بَاب إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ

٢٠٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ. فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَبي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَنُبَيِّنُ مَا بَيْنَهُا وَبَيْنَ لَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ التَّفَاوُتِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا) هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ. (عَنْ عَامِرٍ) هُوَ الشَّعْبِيُّ، وَزَكَرِيَّا مُدَلِّسٌ وَلَمْ أَرَهُ مِنْ حَدِيثِهِ إِلَّا بِالْعَنْعَنَةِ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ زَكَرِيَّا، وَالْقَطَّانُ لَا يَحْمِلُ مِنْ حَدِيثِ شُيُوخِهِ الْمُدَلِّسِينَ إِلَّا مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُمْ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَأَهْوَيْتُ)؛ أَيْ: مَدَدْتُ يَدِيَ، قال الْأَصْمَعِيُّ: أَهْوَيْتُ بِالشَّيْءِ إِذَا أَوْمَأْتُ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَهْوَيْتُ؛ قَصَدْتُ الْهَوَاءَ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ. وَقِيلَ الْإِهْوَاءُ الْإِمَالَةُ، قال ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ خِدْمَةُ الْعَالِمِ، وَأَنَّ لِلْخَادِمِ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى مَا يَعْرِفُ مِنْ عَادَةِ مَخْدُومِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ، وَفِيهِ الْفَهْمُ عَنِ الْإِشَارَةِ، وَرَدُّ الْجَوَابِ عَمَّا يُفْهَمُ عَنْهَا لِقَوْلِهِ فَقَالَ دَعْهُمَا

قَوْلُهُ: (فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا) أَيِ: الْقَدَمَيْنِ (طَاهِرَتَيْنِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ وَلِأَبِي دَاوُدَ فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، وَلِلْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَمْسَحُ أَحَدُنَا عَلَى خُفَّيْهِ؟ قال: نَعَمْ؛ إِذَا أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثَلَاثًا إِذَا سَافَرْنَا، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا أَقَمْنَا، قال ابْنُ خُزَيْمَةَ: ذَكَرْتُهُ لِلْمُزَنِيِّ فَقَالَ لِي: حَدِّثْ بِهِ أَصْحَابَنَا، فَإِنَّهُ أَقْوَى حُجَّةً لِلشَّافِعِيِّ، انْتَهَى.

وَحَدِيثُ صَفْوَانَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، لَكِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مُوَافِقٌ لَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ اللُّبْسِ، وَأَشَارَ الْمُزَنِيُّ بِمَا قال إِلَى الْخِلَافِ