للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ فَقُلْتُ لِرَجُلٍ جَالِسٍ إِلَى جَنْبِي سَلْهُ فَسَأَلَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ بِلَفْظِ الْغَائِبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ الْمِقْدَادِ وَقَعَ عَلَى الْإِبْهَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَذْيِ يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ.

وَفِي الْمُوَطَّأِ نَحْوُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ ذِكْرُ سَبَبِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا تَفْعَلْ وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ أَمَرْتُ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ سَأَلْتُ.

وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ ثُمَّ أَمَرَ الْمِقْدَادَ بِذَلِكَ ثُمَّ سَأَلَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى آخِرِهِ ; لِكَوْنِهِ مُغَايِرًا لِقَوْلِهِ إِنَّهُ اسْتَحْيَى مِنَ السُّؤَالِ بِنَفْسِهِ لِأَجْلِ فَاطِمَةَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ أَطْلَقَ أَنَّهُ سَأَلَ لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِذَلِكَ وَبِهَذَا جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ، وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ أَمَرَ كُلًّا مِنَ الْمِقْدَادِ، وَعَمَّارٍ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ تَذَاكَرَ عَلِيٌّ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَمَّارٌ الْمَذْيَ فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّنِي رَجُلٌ مَذَّاءٌ فَاسْأَلَا عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَسَأَلَهُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ وَصَحَّحَ ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ هُوَ الْمِقْدَادُ، وَعَلَى هَذَا فَنِسْبَةُ عَمَّارٍ إِلَى أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَجَازِ أَيْضًا ; لِكَوْنِهِ قَصَدَهُ لَكِنْ تَوَلَّى الْمِقْدَادُ الْخِطَابَ دُونَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ ﷺ تَوَضَّأْ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ بِخُرُوجِ الْمَذْيِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ وَعَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ كَالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنَ الْبَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِهِ فِي بَابِ: مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيّ ﷺ عَنِ الْمَذْيِ فَقَالَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ، فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ حُكْمَ الْمَذْيِ حُكْمُ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ لَا أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِمُجَرَّدِهِ.

قَوْلُهُ: (وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِهِ، وَوَقَعَ فِي الْعُمْدَةِ نِسْبَةُ إِلَى الْبُخَارِيِّ بِالْعَكْسِ لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ فَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُ غَسْلِهِ عَلَى الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوْلَى، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِهِ لَكِنْ مَنْ يَقُولُ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَائِلٍ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى تَعَيُّنِ الْمَاءِ فِيهِ دُونَ الْأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا ; لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يُعَيِّنُ الْغَسْلَ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَصَحَّحَ فِي بَاقِي كُتُبِهِ جَوَازَ الِاقْتِصَارِ إِلْحَاقًا بِالْبَوْلِ (١). وَحَمْلًا لِلْأَمْرِ بِغَسْلِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهَذَا الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى إِيجَابِ اسْتِيعَابِهِ بِالْغَسْلِ عَمَلًا بِالْحَقِيقَةِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ نَظَرُوا إِلَى الْمَعْنَى فَإِنَّ الْمُوجوبَ لِغَسْلِهِ إِنَّمَا هُوَ خُرُوجُ الْخَارِجِ فَلَا تَجِبُ الْمُجَاوَزَةُ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي رِوَايَةِ فَقَالَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْهُ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْمَذْيِ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنَّ النَّقْضَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَسِّ جَمِيعِهِ.

وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِهِ هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَوْ لِلتَّعَبُّدِ؟ فَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ


(١) الصواب ماقاله ابن دقيق العيد من تعيين الماء في غسل المذي عملا بظاهر الحديث. ويؤيده ماثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود عن علي أن النبي ﷺ أمره أن يغسل ذكره وأنثييه. وهذاحكم يخص المذي دون البول. والله أعلم