للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَصْلِ مَا دُعِيَ لِأَجْلِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ قُومُوا) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ لِكَوْنِهِ صَلَّى بَعْدَ الطَّعَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنِ الْبَغَوِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مَالِكٍ وَلَفْظُهُ صَنَعَتْ مُلَيْكَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَعَامًا فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ) كَذَا فِي رِوَايَتِنَا بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِحَذْفِ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: رُوِيَ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَثُبُوتِهَا مَفْتُوحَةً وَسَاكِنَةً، وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّامَ عِنْدَ ثُبُوتِ الْيَاءِ مَفْتُوحَةٌ لَامُ كَيْ وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وَاللَّامُ وَمَصْحُوبُهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ قُومُوا فَقِيَامُكُمْ لِأُصَلِّيَ لَكُمْ، وَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ زَائِدَةً وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةً بِقُومُوا، وَعِنْدَ سُكُونِ الْيَاءِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ أَيْضًا لَامَ كَيْ وَسُكِّنَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا أَوْ لَامَ الْأَمْرِ وَثَبَتَتِ الْيَاءُ فِي الْجَزْمِ إِجْرَاءً لِلْمُعْتَلِّ مَجْرَى الصَّحِيحِ كَقِرَاءَةِ قُنْبُلٍ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرُ، وَعِنْدَ حَذْفِ الْيَاءِ اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ، وَأَمْرُ الْمُتَكَلِّمِ نَفْسَهُ بِفِعْلٍ مَقْرُونٍ بِاللَّامِ فَصِيحٌ قَلِيلٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ قَالَ: وَيَجُوزُ فَتْحُ اللَّامِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَوْجِيهَهُ، وَفِيهِ لِغَيْرِهِ بَحْثٌ اخْتَصَرْتُهُ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تَرِدْ بِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأُصَلِّ بِحَذْفِ اللَّامِ، وَلَيْسَ هُوَ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ، وَحَكَى ابْنُ قُرْقُولٍ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَلِنُصَلِّ بِالنُّونِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَالْجَزْمِ، وَاللَّامُ عَلَى هَذَا لَامُ الْأَمْرِ وَكَسْرُهَا لُغَةً مَعْرُوفَةٌ.

قَوْلُهُ: (لَكُمْ) أَيْ لِأَجْلِكُمْ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْأَمَرُ هُنَا بِمَعْنَى الْخَبَرِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا لَهُمْ بِالِائْتِمَامِ لَكِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِارْتِبَاطِ فِعْلِهمْ بِفِعْلِهِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ) فِيهِ أَنَّ الِافْتِرَاشَ يُسَمَّى لُبْسًا، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حَرِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالِافْتِرَاشِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ.

قَوْلُهُ: (فَنَضَحْتُهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّضْحُ لِتَلْيِينِ الْحَصِيرِ أَوْ لِتَنْظِيفِهِ أَوْ لِتَطْهِيرِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالْأَخِيرِ، بَلِ الْمُتَبَادَرُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ.

قَوْلُهُ: (وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْمُسْتَمْلِي، وَالْحَمَوِيِّ فَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمُ بِغَيْرِ تَأْكِيدٍ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ، وَيَجُوزُ فِي الْيَتِيمِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، قَالَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ: الْيَتِيمُ هُوَ ضُمَيْرَةُ جَدُّ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ الْحَذَّاءِ: كَذَا سَمَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَأَظُنُّهُ سَمِعَهُ مِنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَضُمَيْرَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي ضُمَيْرَةَ فَقِيلَ رَوْحٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. انْتَهَى.

وَوَهِمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ: اسْمُ الْيَتِيمِ ضُمَيْرَةُ وَقِيلَ رَوْحٌ، فَكَأَنَّهُ انْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنَ الْخِلَافِ فِي اسْمِ أَبِيهِ إِلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا ذِكْرَ مَنْ قَالَ: إِنَّ اسْمَهُ سُلَيْمٌ وَبِيَانُ وَهْمِهِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَ لَى. وَجَزَمَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ اسْمَ أَبِي ضُمَيْرَةَ سَعْدٌ الْحِمْيَرِيُّ وَيُقَالُ: سَعِيدٌ، وَنَسَبَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَيْثِيًّا.

قَوْلُهُ: (وَالْعَجُوزُ) هِيَ مُلَيْكَةُ الْمَذْكُورَةُ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ انْصَرَفَ) أَيْ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ مِنَ الصَّلَاةِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عُرْسًا وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي امْرَأَةً لَكِنْ حَيْثُ تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ، وَالْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الدَّعْوَةِ، وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً فِي الْبُيُوتِ، وَكَأَنَّهُ ﷺ أَرَادَ تَعْلِيمَهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِالْمُشَاهَدَةِ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهَا بَعْضُ التَّفَاصِيلِ لِبُعْدِ مَوْقِفِهَا. وَفِيهِ تَنْظِيفُ مَكَانِ الْمُصَلَّى، وَقِيَامُ الصَّبِيِّ مَعَ الرَّجُلِ صَفًّا، وَتَأْخِيرُ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ، وَقِيَامُ الْمَرْأَةِ صَفًّا وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ غَيْرُهَا. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِذَلِكَ. وَفِيهِ الِاقْتِصَارُ فِي نَافِلَةِ النَّهَارِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ خِلَافًا لِمَنِ اشْتَرَطَ أَرْبَعًا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهِ