للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المغنيّ بقوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ [آل عمران: ٩٦] ،

وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو ذرّ عن أول مسجد وضع في الأرض فقال: «المسجد الحرام» .

واستعمله بعد ذلك في المسجد المحيط بالكعبة في

قوله: «صلاة في المسجد الحرام بكذا وكذا صلاة» ،

على وجه التغليب المجازي. وفي قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الإسراء: ١] على قول من يقول المراد به مكة، لأنه كان في بيت أم هانئ. وفي دور مكة والحرم حولها في قوله: «ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام» . كل ذلك من باب التغليب المسوغ للمجاز المتوسّع فيه وإلا لزم الاشتراك في موضع لفظ المسجد الحرام، والمجاز أولى منه، وكيف يقال بالاشتراك؟

والفهم ما تبادر عند الإطلاق إلى الكعبة، أو إليها مع المسجد حولها، ولا يتبادر إلى مكة كلها إلا بقرينة» . انتهى ملخّصا.

[العاشر: في الكلام على الأقصى.]

البرهان النسفي رحمه الله: «اتفقوا على أن المراد به مسجد بيت المقدس، وسمّي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام» .

الزمخشري رحمه الله: «سمّى الأقصى لأنه لم يكن وراءه مسجد» .

الكفيل: فثبت له هذا النّعت وإن كان وراءه بعد [ (١) ] مساجد هي أقصى منه، لأن العلمية إذا أثبتت لسبب لم يضرّ زوال السبب» .

ابن دحية رحمه الله: «وهو معدن الأنبياء من لدن الخليل صلى الله عليه وسلم، ولذا جمعوا له هناك كلهم، وأنهم في محلتهم ودارهم، ليدل ذلك على أنه الرئيس المقدّم، والإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم» .

أبو شامة: «هو بيت المقدس الذي عمره نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلّم بأمر الله عز وجل، وما زال مكرّما محترما، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال شرعا إلا إليها، أي لا تقصد بالزيارة والتعظيم من جهة أمر الشارع إلا هذه الثلاثة. وكان أبعد مسجد عن أهل مكة أو من النبي صلى الله عليه وسلم، والأقصى أفعل من القصيّ والقاصي هو البعيد» .

ابن أبي جمرة- بفتح الجيم وبالراء- رحمه الله: «والحكمة في إسرائه صلى الله عليه وسلم أولا إلى بيت المقدس، لإظهار الحق على من عاند، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء، لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والإيضاح. فلما ذكر أنه أسرى به إلى بيت المقدس سألوه عن أشياء من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا إنه لم يكن رآها قبل ذلك. فلما أخبرهم بها


[ (١) ] في أ: كانت بعد وراءه