للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- والله تعالى أعلم- أن النيل والفرات منبعهما من سدرة المنتهى، وإذا نزلا يسلكان أولا طريقا إلى الجنة فيدخلانها ثم بعد ذلك ينزلان إلى الأرض.

[التنبيه الخامس والستون:]

قال ابن أبي جمرة: وردت الأخبار أن من شرب من ماء الجنة لا يموت ولا يفنى وأنه ليس له فضلة تخرج على ما يعهد في دار الدنيا خروجه وإنما خروجه رشح مسك على البدن، فجعل فيه هذه الخاصّيّة العظيمة، ثم لما شاءت الحكمة نزوله إلى هذه الدار نزعت منه تلك الخصوصية، وبقي جوهره بحاله، وكل الخواص مثله في هذا المعنى، إن شاء الله عزّ وجل أبقى له الخاصية وإن شاء سلبها مع بقاء جوهره وليس لذوات الخواص تأثير بل الخاصية خلقه والجوهر خلقه وإنما القدرة هي المؤثرة في كلها.

[التنبيه السادس والستون:]

قول ابن كثير: «المراد- والله أعلم- أن هذه الأنهار تشبه أنهار الجنة في صفائها وعذوبتها وجريانها من جنس تلك في هذه الصفات كما قال في حديث أبي هريرة رضي الله عنه

إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «العجوة من الجنة» [ (١) ]

أي تشبه ثمر الجنّة لا أنها مجتناة من الجنّة فإن الحسّ يشهد بخلافه. فيتعيّن أن يكون المراد غيره، وكذلك أصل منابع هذه الأنهار مشاهدة من الأرض» ، انتهى. وهو متعقّب بأنه لا يلزم من كونها كذلك ألّا تكون من الجنة، لما قدّمنا من كيفية النزول. وقد جزم النووي وغيره أنها من الجنة، ولا يشكل ذلك لأن في ماء الجنة خواصّ ليست في هذه الأنهار لما سبق في كلام ابن أبي جمرة.

[التنبيه السابع والستون:]

وقع في رواية شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في السماء الدنيا نهرين يطّردان فقال له جبريل: «هما النيل والفرات عنصرهما» . وفي رواية غيره: «رآهما في السماء السابعة» . قال ابن دحية: والجمع بينهما أنه رأى هذين النهرين عند سدرة المنتهى مع نهري الجنة، ورآهما في السماء الدنيا دون نهريّ الجنة وأراد بالعنصر عنصر انتشارهما.

[التنبيه الثامن والستون:]

روى أبو نعيم والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدودا في الأرض، لا والله إنها لسائحة على وجه الأرض» [ (٢) ]

الأخدود شق في الأرض مستطيل.

[التنبيه التاسع والستون:]

روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي في الشعب


[ (١) ] أخرجه الترمذي (٢٠٦٦) وابن ماجة (٣٥٤٣) وأحمد في المسند ٢/ ٣٠١ والدارمي ٢/ ٣٣٨ وعبد الرزاق في المصنف (٢٠١٧٠) والخطيب في التاريخ ١٤/ ٤٤٥.
[ (٢) ] ذكره السيوطي في الدر ١/ ٣٨ وعزاه لابن مردويه وأبي نعيم والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة.