للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً [الفتح: ٢] ودنيوية وإن كان المقصود بها الدين وهي قوله تعالى: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [الفتح: ٣] وقدّم الأخروية على الدنيوية تقديما للأهمّ، فانتظم بذلك تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام أنواع نعم الله تعالى المتفرقة في غيره» .

وبعد أن وقفت على هذا المعنى رأيت ابن عطية قد وقع عليه فقال: «وإنما المعنى تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم، ولم تكن ذنوبا البتة» ، وقد وفّق فيما قاله.

[التنبيه الثاني والسبعون:]

قوله: «ثم أخذ على الكوثر حتى دخل الجنة» .

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في تفسيره: «هذا الحديث دليل على أن السدرة ليست في الجنة» .

وجزم به ابن أبي جمرة. وقال ابن دحية: «ثمّ هنا ليست للترتيب كما في قوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البلد: ١٧] إنما هي مثل الواو للجمع والاشتراك فهي بذلك خارجة عن أصلها، قال صاحب فتح الصفا: «وهي خلاف الظاهر» .

[التنبيه الثالث والسبعون:]

قال بعض العلماء في توجيه كون درهم القرض بثمانية عشر:

إن درهم القرض بدرهمين من دراهم الصدقة كما ورد، ودرهم الصدقة بعشرة، ودرهم القرض يرجع للمقرض بدله، وهو بدرهمين من جملة مبلغ أصله عشرون يتأخر للمقرض منه ثمانية عشر.

وسمعت شيخنا الإمام العلامة نور الدين المحليّ يذكر ذلك [في] الأصول. ثم رأيت في «نوادر الأصول» للحكيم الترمذي ما نصّه: «معنى الحديث أن المتصدّق حسب له الدرهم الواحد بعشرة، فدرهم صدقته وتسعة زائدة فصارت له عشرة، والقرض ضوعف له فيه بدرهم والتسعة مضاعفة فهذه ثمانية عشر، ودرهم القرض لم يحسب لأنه يرجع إليه، فيبقى التضعيف وهو ثمانية عشر، وفي الصدقة لم يرجع إليه فصارت له عشرة.

[التنبيه الرابع والسبعون:]

قال ابن دحية: «في عرض الجنة عليه كرامة عظيمة لأنه كان يعرض الجنة على أمته ليشتروها كما قال عن ربه تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: ١١١] .

فأراد الله تعالى أن يعاين نبيه صلى الله عليه وسلم ما يعرضه على أمته ليكون وصفه لها عن مشاهدة ولأنه كان يدعو الناس إلى الجنة وهي الدار التي هيّأها الله تعالى لضيافة عباده المؤمنين وبعثته صلى الله عليه وسلم داعيا إليها فأراد الله تعالى أن يريه الدار وكثرة ما أعدّ فيها من النعيم والكرامة لئلا يضنّ بالدعوة وليعلم أنها تسع الخلائق كلهم ولا تمتلئ حتى ينشئ الله لها خلقا، كما ثبت في الحديث. ويحتمل أنه إنما أراه إياها ليعلم خسّة الدنيا في جنب ما رآه فيكون في الدنيا