للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الثالث في بدء إسلامهم رضي الله عنهم]

قال ابن إسحق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له ناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله تعالى وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاءهم به من الله تعالى من الهدى والرحمة، ولا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدّى له ودعاه إلى الله تعالى وعرض عليه ما عنده.

وروى ابن إسحق بسند جيد عن محمود بن لبيد قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع [مكة]- فيما ذكره ابن إسحق، وبشر فيما ذكره الزبير بن بكار- في فتية من قومه بني عبد الأشهل يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم: هل لكم في خير مما جئتم له؟» . فقالوا له: وما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وأنزل عليّ الكتاب» ،

ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ، وكان غلاما حدثا: «أي قوم هذا والله خير مما جئتم له» . فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا. فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة. وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك.

قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي عند موته إنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبّره ويسبّحه حتى مات، فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع.

وروى أبو زرعة الرازي في دلائل النبوة له بسند حسن، والحاكم وصححه عن معاذ بن رفاعة بن رافع [ (١) ] عن أبيه عن جده أنه خرج هو وابن خالته معاذ بن عفراء [ (٢) ] حتى قدما مكة [ (٣) ] ،


[ (١) ] معاذ بن رفاعة الأنصاري الزرقي.. ذكره الواقدي وقال: شهد غزوة بني قريظة مع النبي صلى الله عليه وسلم على فرس، قلت: وفي التابعين معاذ بن رفاعة آخر يروي عن أبيه وجابر وخولة روى عنه عبد الله بن محمد بن عقيل. الإصابة ٦/ ١٠٨.
[ (٢) ] معاذ بن الحرث بن رفاعة بن الحرث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك النجاري الأنصاري الخزرجي المعروف بابن عفرا وقيل: بحذف الحرث الثاني في نسبه وعفراء أمه عرف بها.. شهد العقبة الأولى مع الستة الذين هم أول من لقي النبي صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج وشهد بدرا وشرك في قتل أبي جهل وعاش بعد ذلك وقيل: بل جرح ببدر فمات من جراحته. الإصابة ٦/ ١٠٧، ١٠٨.
[ (٣) ] مكة بيت الله الحرام: بلدة فيها الكعبة القبلة التي يتوجّه المسلمون إليها في صلاتهم من سائر الآفاق، سمّيت مكة، لأنها تمك أعناق الجبابرة، أي تذهب نخوتهم وتذلّهم. وقيل: لتمكّك الناس بها، وهو ازدحامهم. وتسمّى بكة أيضا- بالباء- لتبكّك الناس بها، وهو ازدحامهم. وقيل: مكة اسم المدينة، وبكّة اسم للبيت. مراصد الاطلاع ٣/ ١٣٠٣.