للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب التاسع في إسلام عمرو بن الجموح بفتح الجيم وبالحاء المهملة رضي الله تعالى عنه]

قال ابن إسحاق وغيره: لما قدم النّفر الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أظهروا الإسلام بالمدينة، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشّرك، منهم عمرو بن الجموح [بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة السّلمي من بني جشم بن الخزرج] ، وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. وكان عمرو [بن الجموح] سيّدا من سادات بني سلمة [وشريفا من أشرافهم] ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب يعظّمه يقال له: مناة [كما كانت الأشراف يصنعون تتخذ إلها تعظّمه وتظهره] .

فلما أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل ومعاذ بن عمرو في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة، وكانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك فيحملونه ويطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس، منكّسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويحكم! من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟

قال: ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهّره وطيّبه، ثم قال: أما والله لو أعلم من فعل بك هذا لأخزينّه. فإذا أمسى ونام عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك، [فيغدوا فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى فيغسله ويطهّره ويطيّبه ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مثل ذلك] فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما فغسله وطهّره وطيّبه، ثم جاء بسيفه فعلّقه عليه ثم قال له: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما أرى، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس. وغدا عمرو بن الجموح يلتمسه فلم يجده في مكانه، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكّسا مقرونا بكلب ميّت. فلما رآه أبصر شأنه، وكلّمه من أسلم من قومه، فأسلم رحمه الله وحسن إسلامه. فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف [وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة] :

والله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن

أفّ لملقاك إلها مستدن ... الآن فتّشناك عن سوء الغبن

الحمد لله العليّ ذي المنن ... الواهب الرّزّاق ديّان الدّين

هو الّذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن

بأحمد المهدي النّبيّ المؤتمن [ (١) ]


[ (١) ] انظر الروض الأنف ٢/ ٢٠٥.