للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الثاني في سبب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وكفاية الله تعالى رسوله مكر المشركين حين أرادوا ما أرادوا]

روى ابن إسحاق وعبد الرزاق والإمام أحمد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس، وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة، والبيهقي عن ابن إسحاق أن قريشا لما رأت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا جوارا ومنعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار النّدوة- وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها- يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين خافوه.

فاجتمعوا لذلك واتّعدوا، وكان ذلك اليوم يسمّى يوم الزّحمة فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بتّ له، فوقف على باب الدار، فلما رأوه واقفا على بابها قالوا: من الشّيخ؟ قال:

شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ألا تعدموا منه رأيا ولا نصحا. قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم، وقد اجتمع فيها أشراف قريش: من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب- وأسلم بعد ذلك-[ومن بني نوفل بن عبد مناف] : طعيمة بن عديّ، وجبير بن مطعم- وأسلم بعد ذلك- والحرث بن عامر بن نوفل. ومن بني عبد الدار بن قصيّ] : النّضر بن الحرث بن كلدة [ومن بني أسد بن عبد العزّى] : أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود- وأسلم بعد ذلك- وحكيم بن حزام- وأسلم بعد ذلك، [ومن بني مخزوم] : أبو جهل بن هشام، [ومن بني سهم] : نبيه ومنبّه ابنا الحجّاج، ومن بني جمح: أمية بن خلف، ومن كان معهم، وغيرهم ممّن لا يعدّ من قريش.

فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، وإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا. قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم- نقل السهيلي عن ابن سلّام أنه أبو البختريّ بن هشام- احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله: زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم. فقال الشيخ النجدي- لعنه الله-: لا والله ما هذا لكم برأي، والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجنّ أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره.

فتشاوروا ثم قال قائل منهم- ذكر السهيلي أنه أبو الأسود ربيعة بن عمرو أحد [ (١) ] بني


[ (١) ] في أ: أخو.