للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّجدة منهم بالمياه لإطفاء النار وقد التهبت سريعا في السّقفين، وأخذت في جهة الشمال والغرب، فعجزوا عن إطفائها وكادت أن تدركهم فهربوا. وسقط بعضهم فهلك، ونجا بعضهم مع من حالت النار بينه وبين الأبواب إلى صحن المسجد. وجملة من مات بسبب ذلك بضع عشرة نفسا. وعظمت النار جدا حتى صارت كبحر لجّيّ من نار، ولها زفير وشهيق وألسن تصعد في الجو، وصارت ترمي بشرر كالقصر ويسقط بالبيوت المجاورة ومع ذلك فلا تؤثر فيها. وحمل بعض خزائن الكتب والربعات والمصاحف غير ما بادروا بإخراجه، وذلك كله في نحو عشرة أدراج فأصابها الشرر فأحرقها. وأخبر أمير المدينة قسطل الجمّازي أن شخصا من العرب الصادقين رأى في المنام قبل ذلك بليلة أن السماء فيها جراد منتشر ثم أعقبته نار عظيمة،

فأخذ النبي- صلّى الله عليه وسلم- النار وقال: «أمسكها عن أمتي» .

قال السيد: وأخبرني جماعة أنهم شاهدوا أشكال طيور بيض تحوم حول النار كالذي يكفها عن بيوت الجيران، مع هرب كثير منهم لما رأوا تساقط الشّرر. وخرج بعضهم من باب المدينة لعظم ما شاهدوه من الهول وظنوا أنهم قد أحيط بهم، ثم خمدت النار ثاني يوم وأرسلوا للسلطان قايتباي يعلمونه بذلك فاهتم بذلك رحمه الله تعالى الذي أهّله لهذا الأمر وعمر المسجد الشريف والحجرة الشريفة العمارة المحكمة الموجودة في زماننا.

[تنبيهات]

الأول: اختلف في اسم أبي اليتيمين اللذين كان المسجد لهما فقال [موسى بن عقبة:

هما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو] ، وقال الزهري وابن إسحاق هما ابنا عمرو. قال في العيون: إنه الأشهر. وحاول السهيلي التوفيق بين القولين فقال: «هما ابنا رافع بن عمرو» ، فعلى هذا نسبا إلى جدّهما. قال الحافظ: «والأرجح هو قول الزهري وابن إسحاق» .

الثاني: ذكر ابن إسحاق أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء، وقال أبو ذر الهروي أحد رواة الصحيح: أسعد بن زرارة بإثبات الألف في أسعد. قال الحافظ والسيد: «وهو الوجه» .

وقال ابن زبالة ويحيى أنهما كانا في حجر أبى أيوب وقد يجمع باشتراك من ذكر في كونهما في حجورهم، وبانتقال ذلك بعد أسعد بن زرارة إلى من ذكر واحدا بعد واحد، سيما وقد روى محمد بن الحسن المخزومي عن ابن أبي فديك قال: «سمعت بعض أهل العلم يقولون إن أسعد توفي قبل أن يبني رسول الله المسجد، فباعه رسول الله من سهل وسهيل» .

الثالث:

في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى ملأ بني النّجّار بسب موضع المسجد، فقال: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» ، فقالوا: «والله لا نطلب ثمنه إلا من الله» .

وفي رواية: «فدعا بالغلامين فساومهما بالمربد يتخذه مسجدا» . ووقع في رواية ابن