للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العباس يهاب قومه ويكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه، وكان أبو لهب قد تخلّف عن بدر، فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله تعالى وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّة، وكنت أعمل الأقداح في حجرة زمزم، فو الله إني جالس فيها أنحت أقداحي وعندي أمّ الفضل جالسة، وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه بشرّ حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال أبو لهب:

هلمّ إليّ يا بن أخي فعندك لعمري الخبر، فجلس إليه والناس قيام عليه، فقال: يا بن أخي أخبرني كيف كان أمر النّاس، فقال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، والله ما تليق شيئا، ولا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت: تلك والله الملائكة، قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، قال: وثاورته فاحتملني وضرب بي الأرض، ثم برك عليّ يضربني، وكنت رجلا ضعيفا، فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فأخذته فضربته به ضربة فلعت في رأسه شجّة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيّده، فقام مولّيا ذليلا. فو الله ما عاش إلى سبع ليال حتى رماه الله تعالى بالعدسة فقتلته.

قال ابن جرير: والعدسة: قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشدّ العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثا لا تقرب جثّته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السّبّة في تركهم له دفعوه بعصيّ في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه.

وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير: إنهم لم يحفروا له، ولكن أسندوه إلى حائط، وقذفوا عليه بالحجارة من خلف الحائط حتى واروه. وروى أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا مرّت بموضعه غطّت وجهها.

[ذكر نوح أهل مكة على قتلاهم ثم منعهم من ذلك]

روى ابن إسحاق، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: ناحت قريش على قتلاها بمكة- زاد ابن عقبة وصاحب الإمتاع: شهرا- وجزّ النساء شعورهنّ، وكان يؤتي براحلة الرجل منهم أو بفرسه وتوقف بين أظهر النساء، ويسترنها بالسّتور حولها [وينحن حولها] ويخرجن إلى الأزقة. انتهى.

ثم قالوا: لا تفعلوا ذلك فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء، فكان الأسود بن المطلب قد