للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الخامس عشر في غزوة بني النّضير

اختلفوا في سببها، فروى عبد الرزاق وعبد بن حميد، وأبو داود، والبيهقي بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ كفّار قريش كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: «إنكم قد آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عددا، وإنّا نقسم بالله لنقاتلنّه، أو لتخرجنّه، أو لنستعدينّ عليكم العرب، ثم لنسيرنّ إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم، وأبناءكم» . فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من عبدة الأوثان تراسلوا، واجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما بلغه صلى الله عليه وسلم لقيهم في جماعة من أصحابه،

فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم»

[ (١) ] . فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرّقوا وعرفوا الحق.

فبلغ ذلك كفّار قريش، فكتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود: «إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلنّ صاحبنا أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بين خدم نسائكم شيء» ، فلما بلغ كتابهم اليهود اجتمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبرا، حتى نلتقي على أمر بمكان نصف بيننا وبينك، فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك كلنا. فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رجلا من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبرا من يهود، حتى إذا برزوا في برازٍ من الأرض قال بعضهم لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه، كلّهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه: كيف نفهم ونحن ستّون رجلا اخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا، فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ثلاثة من أصحابه وخرجت ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته خبر ما أراد بنو النّضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارّه بخبرهم قبل أن يصل إليهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فذكر الحديث.


[ (١) ] أخرجه أبو داود ٣/ ١٥٦ (٣٠٠٤) والبيهقي في الدلائل ٣/ ١٧٩ وعبد الرزاق في المصنف (٩٧٣٣) .