للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقامنا هاهنا بشيء، لقد توجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر، فقاموا في طلبه، فقال حيي بن اخطب:

لقد عجّل أبو القاسم، كنا نريد أن نقضي حاجته ونقريه، وندمت يهود على ما صنعوا. فقال لهم كنانة بن صويراء: «هل تدرون لم قام محمد؟» قالوا: لا والله ما ندري، وما تدري أنت! قال:

بلى والتوراة إنّي لأدري، قد أخبر محمد بما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، والله أنه لرسول الله، وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به من الغدر، وإنه لآخر الأنبياء، وكنتم تطمعون أن يكون من بني هارون، فجعله الله حيث شاء. وإن كتبنا والذي درسنا في التوراة التي لم تغيّر، ولم تبدّل: أنّ مولده بمكّة، وأن دار هجرته يثرب، وصفته بعينها ما تخالف حرفا مما في كتابنا، وما يأتيكم به أولى في محاربته إيّاكم، ولكأني أنظر إليكم ظاعنين يتضاغى صبيانكم قد تركتم دوركم خلوفا وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها» . قالوا: ما هما؟ قال: «تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم وأولادكم، وتكونون من علية أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجون من دياركم» ، قالوا: لا نفارق التوراة وعهد موسى. قال: «فإنه مرسل إليكم: اخرجوا من بلدي فقولوا: نعم، فإنه لا يستحلّ لكم دما ولا مالا، وتبقى أموالكم لكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم» ، قالوا: أمّا هذا فنعم. قال سلّام بن مشكم: «قد كنت لما صنعتم كارها، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقّب يا حييّ كلامه، وأنعم له بالخروج، واخرج من بلاده» . قال: افعل، أنا أخرج.

فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تبعه أصحابه، فلقوا رجلا خارجا من المدينة، فسألوه: هل لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، لقيته بالجسر داخلا. فلما انتهى إليه أصحابه وجدوه قد أرسل إلى محمد بن مسلمة يدعوه، فقال أبو بكر: يا رسول الله، قمت ولم نشعر،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «همّت يهود بالغدر بي، فأخبرني الله تعالى فقمت» .

قال ابن عتبة: وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة ١١] .

ورواه عبد بن حميد عن عكرمة.

[ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم واعترافهم برسالته]

لمّا جاء محمد بن مسلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم:

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلدي» .

فلما جاءهم قال:

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم برسالة، ولست أذكرها لكم حتى أعرّفكم بشيء تعرفونه في مجلسكم، فقالوا: ما هو؟ قال: أنشدكم بالتوراة، التي أنزل الله على موسى: هل تعلمون أني