للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال محمد بن عمر: وذكر للنبي- صلى الله عليه وسلم- إن رجلا كان بحنين قاتل قتالا شديدا، حتّى اشتدّت به الجراح، قال: «أنه من أهل النار» فارتاب بعض الناس من ذلك، ووقع في قلوب بعضهم ما الله تعالى به أعلم، فلما آذته جراحته، أخذ مشقصا من كنانته فانتحر به، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بلالا أن ينادي: ألا لا يدخل الجنة إلّا مؤمن، أن الله- تعالى- يؤيد هذا الدين بالرّجل الفاجر»

[ (١) ] .

قال محمد بن عمر: وأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بطلب العدوّ وقال لخيله إن قدرتم على «بجاد» رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتن منكم، وقد كان أحدث حدثا عظيما، كان قد أتاه رجل مسلم فأخذه فقطعه عضوا عضوا ثم حرّقه بالنار، وكان قد عرف جرمه فهرب فأخذته الخيل فضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى، أخت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الرّضاعة، وأتعبوها في السّياق، فتعبت الشّيماء بتعبهم، فجعلت تقول: إنّي والله أخت صاحبكم، فلا يصدّقونها، وأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشد النّاس على هوازن- فأتوا بها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا محمد!! إني أختك. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «وما علامة ذلك؟ فأرته عضّة بإبهامها، وقالت: عضة عضضتنيها وأنا متورّكتك بوادي السرر ونحن يومئذ نرعى البهم، وأبوك أبي، وأمك أمي، وقد نازعتك الثّدى، وتذكّر يا رسول الله حلابي لك عنز أبيك أطلان، فعرف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- العلامة، فوثب قائما، فبسط رداءه، ثم قال: «اجلسي عليه» ورحّبّ بها، ودمعت عيناه، وسألها عن أمّه وأبيه، فأخبرته بموتهما فقال: «إن أحببت فأقيمي عندنا محبّبة مكرّمة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك ورجعت إلى قومك» [ (٢) ] قالت: بل أرجع إلى قومي، فأسلمت، فأعطاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أعبد وجارية وأمر لها ببعير أو بعيرين وقال لها: «ارجعي إلى الجعرانة تكونين مع قومك، فأنا أمضي إلى الطائف» فرجعت إلى الجعرانة، ووافاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة فأعطاها نعما وشاء، ولمن بقي من أهل بيتها، وكلمته في بجاد أن يهبه لها ويعفو عنه ففعل- صلى الله عليه وسلّم.

[ذكر قتل دريد بن الصمة]

قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما: لما هزم الله- تعالى- هوازن أتوا للطّائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجّه بعضهم نحو نخلة بنو عيرة من ثقيف، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خيلا تتبع من سلك نخلة ولم تتبع من سلك الثّنايا، وأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة من بني سليم دريد بن الصّمة، فأخذ بخطام جمله، وهو يظن


[ (١) ] المغازي للواقدي ٣/ ٩١٧.
[ (٢) ] المغازي للواقدي ٣/ ٩١٣.