للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال محمد بن عمر: فانصرف الرجل إلى هرقل فذكر ذلك له. فدعا قومه إلى التصديق بالنبي- صلى الله عليه وسلّم- فأبو حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه بحمص لم يتحرك ولم يزحف، وكان الذي خبر النبي- صلى الله عليه وسلم- من تعبئة أصحابه ودنوه إلى وادي الشام لم يرد ذلك ولا همّ به.

وذكر السهيلي رحمه الله تعالى: أن هرقل أهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلّم- هدية- فقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هديته وفرقها على المسلمين.

ثم إن هرقل أمر مناديا ينادي: ألا إن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه، فدخلت الأجناد في سلاحها وطافت بقصره تريد قتله، فأرسل إليهم: إني أردت أن أختبر صلابتكم في دينكم، فقد رضيت عنكم، فرضوا عنه.

ثم كتب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتابا مع دحية يقول فيه: إني معكم ولكني مغلوب على أمري، فلما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كتابه قال: «كذب عدو الله، وليس بمسلم بل هو على نصرانيته» .

ذكر صلاته- صلّى الله عليه وسلم- علي ذي البجادين رضي الله عنه

روى ابن إسحاق، وابن منده عن ابن مسعود- رضي الله عنه- ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: كان عبد الله ذو البجادين من مزينة، مات أبوه وهو صغير فلم يورّثه شيئا، وكان عمه ميّلا فأخذه فكفله حتى كان قد أيسر، وكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمّه، حتى مضت السنون والمشاهد كلّها، فانصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من فتح مكة راجعا إلى المدينة، فقال عبد الله ذو البجادين لعمه: يا عمّ قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا، فائذن لي في الإسلام، فقال: والله لئن اتبعت محمدا لا تركت بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا انتزعته منك حتى ثوبيك، فقال: وأنا والله متبع محمدا ومسلم وتارك عبادة الحجر والوثن، وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ كلّ ما أعطاه حتى جرّده من إزاره، فجاء أمّه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر،

ثم أقبل إلى المدينة فاضطجع في المسجد، ثم صلى مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الصبح، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح، فنظر إليه فأنكره، فقال «من أنت؟» فانتسب له، فقال: «أنت عبد الله ذو البجادين» ثم قال: «أنزل مني قريبا» فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن، حتى قرأ قرآنا كثيرا، وكان رجلا صيّتا فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته في القراءة، فقال عمر: يا رسول الله ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «دعه يا عمر: فإنه قد خرج مهاجرا إلى الله تعالى وإلى رسوله» فلما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى تبوك قال: يا رسول الله. ادع الله تعالى لي بالشهادة، فقال: أبلغني بلحاء سمرة فأبلغه بلحاء سمرة، فربطها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-