للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ وإن هذا لمن أحبّ النّاس إليّ بعده» [ (١) ] .

وروى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه، والبيهقي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال: «عليكم زيد بن حارثة فإن أصيب زيد فجعفر فأن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» قال: فوثب جعفر رضي الله عنه وقال:

[بأبي أنت وأمي] يا رسول الله ما كنت أرهب أن تستعمل عليّ زيدا) فقال: «امض فإنك لا تدري أي ذلك خير» [ (٢) ] .

[ذكر مسير المسلمين ووداع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته إياهم]

قال عروة بن الزبير [ (٣) ] : «فتجهّز الناس ثم تهيّئوا للخروج وهم ثلاثة آلاف. فلما حضر خروجهم ودّع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّموا عليهم. فلما ودّع عبد الله رواحة مع من ودّع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى، فقالوا: «ما يبكيك يا ابن رواحة؟» فقال: «أما والله ما بي حبّ الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل يذكر فيها النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [مريم ٧١] فلست أدري كيف لي بالصّدر بعد الورود؟» فقال المسلمون: «صحبكم الله ودفع عنكم وردّكم إلينا صالحين» . فقال عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه:

لكنني أسأل الرّحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزّبدا

أو طعنة بيدي حرّان مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتّى يقال إذا مرّوا على جدثي ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا

قال ابن إسحاق: ثم إن القوم تهيّئوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودّعه ثم قال:

فثبّت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

إنّي تفرّست فيك الخير نافلة ... الله يعلم أنّي ثابت البصر

أنت الرّسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منك فقد أزري به القدر

هكذا أنشد ابن هشام هذه الأبيات وأنشدها ابن إسحاق بلفظ فيه إقواء قال ابن


[ (١) ] أخرجه البخاري في كتاب المغازي (٤٤٦٨) .
[ (٢) ] أخرجه أحمد في المسند ٥/ ٢٩٩ والبيهقي في الدلائل ٤/ ٣٦٧ وأبو نعيم في الحلية ٩/ ٢٦ وابن سعد في الطبقات ٣/ ١/ ٣٢.
[ (٣) ] عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وأحد علماء التابعين. [وقال الزهري: عروة بحر لا تكدره الدّلاء.] قال ابن شؤذب: كان يقرأ كل ليلة ربع القرآن، ومات وهو صائم. الخلاصة ٢/ ٢٣١.