للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب السابع والأربعون في سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان]

قال ابن عقبة وابن إسحاق، وابن سعد، ومحمد بن عمر رحمهم الله تعالى واللفظ له:

«بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة يريدون أن يدنوا إلى أطراف مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص بعد إسلامه بسنة» .

وعند ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرا يستنفر العرب إلى الشام، فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن مر به من العرب: من بليّ [ (١) ] ، وعذرة، وبلقين، وذلك أن عمرا كان ذا رحم فيهم، كانت أم العاص بن وائل بلويّة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بعمرو.

وفي حديث بريدة عند إسحاق بن راهويه أن أبا بكر قال: «إن عمرا لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لعلمه بالحرب» . انتهى. وكان معه ثلاثون فرسا، فكان يكمن النهار ويسير الليل حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلاسل ويقال السّلسل وبذلك سمّيت الغزوة ذات السلاسل بلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث عمرو رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن لهم جمعا كثيرا ويستمده. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه، وعقد له لواء، وبعث معه سراة المهاجرين كأبي بكر وعمر بن الخطاب، وعدّة من الأنصار رضي الله تعالى عنهم. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة أن يلحق بعمرو بن العاص وأن يكونا جميعا ولا يختلفا- وكان أبو عبيدة في مائتي رجل حتى لحق بعمرو- فلما قدموا أراد أبو عبيدة أن يؤمّ الناس فقال عمرو: «إنما قدمت عليّ مددا لي وليس لك أن تؤمني وأنا الأمير» .

فقال المهاجرون: «كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه» . فقال عمرو:، «لا، أنتم مدد لنا» . فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف وكان رجلا ليّنا حسن الخلق سهلا هيّنا عليه أمر الدنيا، يسعى لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده قال: «يا عمرو تعلمنّ أن آخر شيء عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: «إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك والله إن عصيتني لأطيعنّك» . وأطاع أبو عبيدة عمرا. فكان عمرو يصلي بالناس. وقال عمرو: «فإني الأمير عليك وأنت مددي» . قال: «فدونك» .


[ (١) ] انظر معجم البلدان ١/ ٥٨٦.