للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب السابع والستون في بعثة صلّى اللَّه عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي اللَّه تعالى عنهما لهدم الطاغية.

روى البيهقي عن عروة، ومحمد بن عمر عن شيوخه، وابن إسحاق عن رجاله، قالوا: إن عبد ياليل بن عمرو، وعمرو بن أمية أحد بني علاج الثقفيان لما قدما على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مع وفد ثقيف وأسلموا قالوا: أرأيت الرّبّة ماذا نصنع فيها؟ قال: اهدموها. قالوا: هيهات لو تعلم الرّبّة أنّا أو ضعنا في هدمها قتلت أهلنا. قال عمر بن الخطاب: ويحك يا عبد يا ليل ما أجمعك إنما الرّبّة حجر لا تدري من عبده ممن لم يعبده. قال عبد يا ليل: إنا لم نأتك يا عمر. وقالوا:

يا رسول اللَّه اتركها ثلاث سنين لا تهدمها. فأبى. فقالوا: سنتين فأبى فقالوا سنة. فأبى. فقالوا شهرا واحدا. فأبى أن يوقّت لهم وقتا، وإنما يريدون ترك الرّبّة خوفا من سفهائهم والنساء والصبيان، وكرهوا أن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام. وسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يعفيهم من هدمها. وقالوا: يا رسول اللَّه اترك أنت هدمها فإنا لا نهدمها أبدا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «أنا أبعث أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة يهدمانها» .

فذكروا الحديث [ (١) ] . فقال الوفد وأخبروا قومهم خبرهم وخبر الرّبّة.

فقال شيخ من ثقيف قد بقي في قلبه شرك بعد: فذاك واللَّه مصداق ما بيننا وبينه، فإن قدر على هدمها فهو محقّ ونحن مبطلون، وإن امتنعت ففي النفس من هذا بعد شيء. فقال عثمان بن أبي العاص رضي اللَّه عنه: «منّتك واللَّه نفسك الباطل وغرّتك الغرور الرّبّة، واللَّه ما تدري من عبدها ومن لم يعبدها» . وخرج أبو سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة وأصحابهما لهدم الرّبّة. فلما دنوا من الطائف قال المغيرة لأبي سفيان: تقدّم أنت على قومك. وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا يهدمون الرّبّة. فلما نزلوها عشاء باتوا ثم غدوا على الرّبّة يهدمونها.

فقال المغيرة لأصحابه الذين قدموا معه: «لأضحكنّكم اليوم من ثقيف» . فاستكفّت ثقيف كلها: الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال حزنا يبكين على الطاغية، لا يرى عامة ثقيف أنها معدومة ويظنّون أنها ممتنعة. فقام المغيرة بن شعبة واستوى على رأس الدّابّة ومعه المعول، وقام معه بنو معتّب دريئة بالسلاح مخالفة أن يصاب كما فعل عمّه عروة بن مسعود. وجاء أبو سفيان وصمّم على ذلك فأخذ الكرزين وضرب المغيرة


[ (١) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ٥/ ٣٠٢ وانظر البداية والنهاية ٥/ ٣٣.