للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الخامس والثمانون في وفود محارب إليه صلى الله عليه وسلم]

روى ابن سعد [ (١) ] رحمه الله تعالى عن أبي وجرة السعدي قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر منهم سواء بن الحارث، وابنه خزيمة بن سواء، فأنزلوا دار رملة بنت الحدث، وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الظهر إلى العصر، فأسلموا وقالوا: نحن على من وراءنا، ولم يكن أحد في تلك المواسم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه فيها على القبائل يدعوهم إلى الله ولينصروه، أفظّ ولا أغلظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.

وكان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمدّه النظر، فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال: كأنك يا رسول الله توهمني، قال: «لقد رأيتك» . قال المحاربي: أي والله لقد رأيتني وكلّمتني وكلّمتك بأقبح الكلام ورددت عليك بأقبح الرّدّ بعكاظ وأنت تطوف على الناس. فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم» فقال المحاربي [يا رسول الله ما كان في أصحابي أشدّ عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني] فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدّقت بك، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم. فقال صلى الله عليه وسلم: «أن هذه القلوب بيد الله عز وجل» . فقال: يا رسول الله، استغفر لي من مراجعتي إياك. فقال صلى الله عليه وسلم: «أن الإسلام يجبّ ما كان قبله من الكفر» .

ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة بن سواء فكانت له غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد وانصرفوا إلى أهليهم. وروى ابن شاهين وأبو نعيم في معرفة الصحابة، وأبو بكر بن خلّاد النصيبي في الجزء الثاني من فوائده عن أبان المحاربي ويقال له أبان العبدي قال: «كنت في الوفد فرأيت بياض إبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع يديه يستقبل بهما القبلة» .

[تنبيه: في بيان غريب ما سبق:.]

أغلظ العرب وأفظّه: بالظاء المعجمة المشالة هما بمعنى شدّة الخلق وخشونة الجانب.

نائبين: بالنون في أوله من النيابة.

توهمني: حذف منه إحدى التاءين أي تتوهّمني. رأيتك: بضم الفوقية.

ورأيتني وكلّمتني: بفتح الفوقية فيهما على الخطاب.

عكاظ: بعين مهملة مضمومة وكاف مخففة وبعد الألف ظاء معجمة مشالة.

فأحمد الله: بفتح الهمزة والميم.

يجبّ: بفتح التحتية وضم الجيم وتشديد الموحدة يقطع.


[ (١) ] أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢/ ٤٣٦.