للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأثر خالد بن أبي عمران «وإسرافيل بمنزلة الحاجب» .

وما شاكل ذلك يدل على تفضيل إسرافيل.

[العاشر:]

ذكر الإمام الحليمي في شعبه، وتبعه البيهقي والقاضي عياض والقونوي أن من الملائكة رسلا، وغير رسل، وأطلق الإمام الرازي القول أن الملائكة رسل الله، واحتج عليه بقوله تعالى جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر ١] واعترض عليه بقوله تعالى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج ٧٥] وأجاب بأن «من» للتبيين أو للتبعيض، وأطلق ذكر الخلاف في عصمتهم، والجمهور الأعظم من علماء الدين على عصمة كل من الملائكة عن جميع الذنوب ومن الحشوية من خالف في ذلك، وفي كلام غيره نظر من العلماء، منهم القاضي عياض وغيره ما يدل على أن منهم الرسل، ومنهم من ليس برسول، وجعل القاضي عياض الخلاف مبينا على ذلك، وسيأتي نقل كلامه بحروفه.

[الحادي عشر: في عصمتهم]

قال القاضي- رحمه الله تعالى-: اتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين من الملائكة حكم النبيين، سواء في العصمة مما ذكرنا عصمتهم منه، وأنهم في حقوق الأنبياء والتبليغ إليهم كالأنبياء مع الأمم، واختلفوا في غير المرسلين منهم، فذهبت طائفة إلى عصمة جميعهم عن المعاصي، واحتجوا بقوله تعالى لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم ٦] .

قال الإمام الرازي- رحمه الله تعالى- هذه الآية تتناول جميع الملائكة في فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات، لأن كل ما أمر بفعله فقد نهى عن ضده، والدليل على العموم صحة الاستثناء وبقوله تعالى يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء ٢٠] ومن هذه صفته لا يتصور منه صدور الذنب، إذ لو صدر منه الذنب لفتر عن التسبيح، وللمنع في هذا الوجه والذي قبله مجال واضح لقوله تعالى بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء ٢٧] وهذا يقتضي توقفهم في كل الأمور على أمر الله تعالى، ومن كان كذلك لم يصدر منه الذنب، وقرره الآمدي بأن قال المعصية إما بمخالفة الأمر والنهي، لا جائز أن يقع مخالفة الأمر، إذ هو خلاف الآية، ولا جائز أن يقع لمخالفة النّهي، لأن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، ومخالفة النهي إنما تكون بارتكاب المنهي عنه وارتكاب المنهي يقتضي عدم التلبس، وهذا بناء على أن النهي عن الشيء أمر بضده، وهي مسألة مشهورة.

واحتج الإمام مع من ذكر بوجهين آخرين:

أحدهما: أنهم طعنوا في البشر بالعصمة، فلو كانوا عصاة لما حسن منهم هذا الطعن، ولا يخفى ما فيه.