للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الرابع في قصة إسلام أبي ذرّ وأخيه أنيس- رضي اللَّه تعالى عنهما-

روى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد ومسلم عن عبد الله بن الصامت، والبخاري عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما، كلاهما عن أبي ذر، قال ابن الصامت عنه: قد صلّيت يا ابن أخي قبل أن ألقى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين. قلت: لمن؟ قال للَّه. قلت فأين توجّه؟ قال: حيث يوجّهني ربي عز وجل أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت نفسي كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. قال فقال لي أنيس أخي: إن لي حاجة بمكة فاكفني، فانطلق. ثم جاء.

وقال ابن عباس عنه: كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل فكلّمه وائتني بخبره فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث عليّ ثم جاء فقلت: ما عندك؟ فقال: واللَّه لقد رأيت رجلا يأمر بخير وينهى عن الشر. وفي رواية لقد رأيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن اللَّه أرسله ورأيته يأمر بمكارم الأخلاق. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر كاهن ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، واللَّه إنه لصادق وإنهم لكاذبون، قال: فقلت: لم تشفني من الخبر فاكفني حتى أذهب فأنظر. قال: نعم وكن على حذر من أهل مكة فإنهم قد شنفوا له وتجهّموه. قال: فحملت شنّة لي فيها ماء. وفي رواية: فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فأتيت المسجد ألتمس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا أعرفه وأكره أن أسأل عنه. وفي رواية ابن الصامت: فتضعّفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الرجال الذي تدعونه الصابئي؟ فأشار إلى: فقال: الصابئي الصابئي فمال عليّ أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا عليّ. قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم فغسلت عن الدماء وشربت من مائها، ولقد لبثت ثلاثين بين ليلة ويوم وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسّرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع. فدخلت بين الكعبة وأستارها فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أصمختهم فما يطوف بالبيت أحد وامرأتان منهم تدعوان إحافا ونائلة فأتتا عليّ في طوافهما فقلت: أنكحوا إحداهما الأخرى. فما تناهتا عن قولهما، فأتتا عليّ فقلت: هنّ مثل الخشبة. غير أنى لا أكنّي. فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا.

فاستقبلهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطتان قالا: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قالا: ما قال؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم.

وجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت وهو وصاحبه، ثم صلّى، فلما