للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد

فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما سألوا لعلم اللَّه سبحانه وتعالى أنهم لو عاينوا أو شاهدوا ما أرادوا لاستمروا في طغيانهم يعمهون ولظلّوا في غيهم وضلالهم يتردّدون، فقد كانوا رأوا من دلائل النبوة ما فيه شفاء لمن أنصف.

قال اللَّه تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ [العنكبوت ٥١] .

وفي هذا المعنى قيل:

لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنةٌ ... كانت بداهته تنبيك بالخبر

قال اللَّه تعالى: لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى كما طلبوا وَحَشَرْنا جمعنا عليهم كُلَّ شَيْءٍ طلبوه قُبُلًا بكسر القاف وفتح الباء أي معاينة، فنصبه مصدر في موضع الحال، وبضمها جمع قبيل أي فوجا فوجا، فنصبه حال من كلّ وإن كان نكرة نافية من العموم، أي: ولو جئناهم بالملائكة قبيلا قبيلا وبما طلبوا ورأوا ذلك معاينة ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ استثناء منقطع أو متصل أي ما كانوا ليؤمنوا إلا في حال مشيئة اللَّه وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ أي الكفار يَجْهَلُونَ. فيحلفون أنهم يؤمنون عند نزول الآيات. أو المؤمنون يجهلون أن الكافرين لا يؤمنون فيطلبون نزول الآيات ليؤمنوا.

قال في الروض: وكان سؤالهم تلك الآيات جهلا منهم بحكمة اللَّه تعالى في امتحانه الخلق وتعبّدهم بتصديق الرسل وأن يكون إيمانهم عن نظر وفكر في الأدلة، فيقع الثواب على حسب ذلك، ولو كشف الغطاء وحصل لهم العلم الضروري لطلب الحكمة التي من أجلها يكون الثواب والعقاب إذ لا يؤجر الإنسان على ما ليس من كسبه كما لا يؤجر على ما خلق فيه من لون وشعر ونحو ذلك، وإنما أعطاهم من الدليل ما يقتضي النظر فيه العلم الكسبي.

وروى ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس [ (١) ] أن أشراف قريش من كل قبيلة اجتمعوا عند غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلّموه وخاصموه حتى تعذروا فيه. فبعثوا إليه فجاءهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أن


[ (١) ] ذكره السيوطي في الدر ٤/ ٢٠٢ وعزاه لابن جرير وابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وذكر ابن جرير في التفسير ١٥/ ١١٠.