للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الخامس والعشرون في سبب نزول أول سورة «عبس»

روى الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان عن عائشة وعبد الرزاق وعبد بن حميد، وأبو يعلى عن أنس وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس، وسعيد بن منصور عن أبي مالك، وابن سعد وابن المنذر عن الضحّاك. وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقي رجلا من أشراف قريش فدعاه إلى الإسلام وهو يرجو أن يسلم. قال ابن إسحاق: وهو الوليد بن المغيرة. وقال أنس وأبو مالك: أمية بن خلف. وقالت عائشة ومجاهد: كان في مجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيه ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف فيقول لهم: أليس حسنا ما جئت به؟ فيقولون بلى واللَّه. وفي رواية هل ترون بما أقول بأسا؟ فيقولون: لا.

فجاء ابن أم مكتوم الأعمى وهو مشتغل بهم فسأله ولم يدر أنه مشغول بذلك وجعل يستقرئه القرآن ويقول: يا رسول اللَّه أرشدني علّمني مما علّمك اللَّه. فشق ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أضجره. وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر أولئك النفر وما طمع فيه من إسلامهم، فلما أكثر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم انصرف عن ابن أم مكتوم وتركه.

فعاتبه اللَّه تعالى في ذلك فقال عَبَسَ النبي صلى الله عليه وسلّم كلح وجهه وَتَوَلَّى أعرض لأجل أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى عبد الله ابن أم مكتوم.

قال السُّهيلي: وفي ذكره إياه بالعمى من الحكمة والإشارة اللطيفة التنبيه على موضع العتب لأنه قال: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى فذكر المجيء مع العمى، وذلك كله ينبئ عن تجشّم كلفة ومن تجشّم القصد إليك على ضعفه فحقّك الإقبال عليه لا الإعراض عنه. وفائدة أخرى:

وهي تعليق الحكم بهذه الصفة متى وجدت وجب ترك الإعراض، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معتوبا على تولّيه عن الأعمى فغيره أحقّ بالعتب.

وَما يُدْرِيكَ يعلمك لَعَلَّهُ أي الأعمى أو الكافر يَزَّكَّى فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي أَوْ يَذَّكَّرُ أي يتعظ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى العظة المسموعة منك. وفي قراءة بنصب تنفعه جواب الترجّي.

أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى بالمال. فأنت له تصدّى. وفي قراءة بتشديد الصاد وبإدغام الثانية في الأصل فيها، أي تقبل وتتعرّض وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى يؤمن وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى حال من فاعل جاء وَهُوَ يَخْشى اللَّه حال من فاعل يسعى وهو الأعمى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى فيه حذف التاء الأخرى في الأصل أي تتشاغل كَلَّا لا تفعل مثل ذلك.

فلما نزلت هذه الآيات دعاه النبي صلى الله عليه وسلّم فأكرمه، واستخلفه على المدينة ثلاث عشرة