للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والراسخون في العلم كما قال تعالى {واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} على قراءة من قراءة بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان، أحدهما الوقف على قوله {إلا الله} والثاني الصول. ولكن قراءة وجه. وأما قول السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكما بل جعل منه شيئاً متشابها فالجواب عليه من وجهين

أولا أن القرآن كله محكم بالمعنى العام كما ذكرنا في أول الجواب وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة فإننا إذا رددنا المتشابهه إلى المحكم صار معناه واضحاً بيناً وصار الجميع كله محكما.

أما الوجه الثاني فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى أنزل المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم أنزله لحكمه وهي الابتلاء والامتحان والاختبار حيث أن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقاً إلى الفتنة وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه ويكون بهذا ابتلاء وامتحان من الله سبحانه وتعالى له وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحاناً للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته وانظر إلى ما ابتلى به الله أهل السبت حين حرم عليهم الحيتان في يوم السبت ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرعاً على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركا في يوم الجمعة لتقع فيه الحيتان فيأخذوا يوم الأحد فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة. وأنظر كذلك إلى ما ابتلى الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب} فابتلاهم الله بسهولة تناول الصيد وهم محرمون وصبروا رضي الله عنهم فلو يفعلوا شيئاً مما حرم الله عليهم، هكذا أيضاً الآيات الشرعية يكون فيها الأشياء المتشابهة التي قد يكون ظاهرها التعارض ومناقضة بعضها بعضاً لكن الراسخون في العلم يعرفون كيف يجمعون بينها وكيف يؤلفون بين الآيات، وأما أهل الفتنة

<<  <  ج: ص:  >  >>