للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه فإن ترك الصلاة مقتضٍ لانتفاء الأخوة الدينية، كما في آية التوبة، ولو كان ترك الصلاة كفرًا دون كفر أو فسقًا ما انتفت الأخوة الدينية به كما لم تنتف بقتل المؤمن. فإن قال قائل هل ترون كفر تارك إيتاء الزكاة كما دل عليه مفهوم آية التوبة؟ قلنا كفر تارك إيتاء الزكاة قال به بعض أهل العلم وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، ولكن الراجح عندنا أنه لا يكفر، لكنه يعاقب بعقوبة عظيمة ذكرها الله في كتابه وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، ومنها ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع الزكاة وفي آخره " ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ". وقد رواه مسلم بطوله في باب "إثم مانع الزكاة " وهذا دليل على أنه لا يكفر. إذ لو كان كافرًا ما كان له سبيل إلى الجنة، فيكون منطوق هذا الحديث مقدمًا على مفهوم آية التوبة، لأن المنطوق مقدم على المفهوم كما هو معروف في أصول الفقه.

وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة فقوله صلى الله عليه وسلم " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، والمراد بالكفر هنا الكفر المخرج عن الملة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فصلاً بين المؤمنين والكافرين، ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام، فمن لم يأت بهذا العهد فهو من الكافرين.

وفي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع ". قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال " لا، ماصلوا ". وفيه من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلّون عليكم وتصلون عليهم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ". قالوا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال " ما أقاموا فيكم الصلاة ". ففي هذين الحديثين دليل على منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة، ولا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفرًا صريحًا عندنا فيه برهان من الله تعالى، لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال " إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من

<<  <  ج: ص:  >  >>