للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُ (كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ) الْحِبَالِ هُنَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ جَمْعُ حَبْلٍ وَهُوَ التَّلُّ اللَّطِيفُ مِنَ الرَّمْلِ الضَّخْمُ وَقَوْلُهُ (حتى تصعد) هو بفتح الياء الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَضَمِّهَا يُقَالُ صَعِدَ فِي الْحَبْلِ وأصعد ومنه قوله تعالى إذ تصعدون وَأَمَّا الْمُزْدَلِفَةُ فَمَعْرُوفَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ التَّزَلُّفِ وَالِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إِذَا أَفَاضُوا من عرفات ازدلفوا إليها تقربوا مِنْهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَجِيءِ النَّاسِ إِلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ أَيْ سَاعَاتٍ وَتُسَمَّى جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مِنَ الْحَرَمِ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرُهُمْ حَدُّ مُزْدَلِفَةَ مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ وَلَيْسَ الْحَدَّانِ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعُ تلك الشعاب والجبال الداخلية فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ السُّنَّةَ لِلدَّافِعِ مِنْ عَرَفَاتٍ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إِلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَكُونُ هَذَا التَّأْخِيرُ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ يَجْمَعُ بِسَبَبِ النُّسُكِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَمِنًى وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ جَمَعَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فلا يجوز إلا لمسافر سفرا يبلغ به مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْجَمْعُ بِسَبَبِ النُّسُكِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَصَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَشْهَبُ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهَا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَّا مَنْ به أو بدابته عذرفلة أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>