للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّذِي ادَّعَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ وَعِصْمَتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْمُعْجِزَةِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَتَجْوِيزُ مَا قَامَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِسَبَبِهَا وَلَا كَانَ مُفَضَّلًا مِنْ أَجْلِهَا وَهُوَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْبَشَرِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا لَا حَقِيقَةَ له وقد قيل انه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زَوْجَاتِهِ وَلَيْسَ بِوَاطِئٍ وَقَدْ يَتَخَيَّلُ الْإِنْسَانُ مِثْلَ هذا فى المنام فلايبعد تخيله فى اليقظة ولاحقيقة لَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ وما فعله ولكن لايعتقد صِحَّةَ مَا يَتَخَيَّلُهُ فَتَكُونُ اعْتِقَادَاتُهُ عَلَى السَّدَادِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتُ هَذَا الْحَدِيثِ مُبَيِّنَةً أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَدِهِ وَظَوَاهِرِ جَوَارِحِهِ لَا عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ واعتقاده ويكون معنى قوله فى الحديث حتىيظن أنه يأتى أهله ولايأتيهن وَيُرْوَى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فاذا دنى مِنْهُنَّ أَخَذَتْهُ أَخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَأْتِهِنَّ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَرِي الْمَسْحُورَ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّلُ إليه فعل شيء لم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لالخلل تَطَرَّقَ إِلَى الْعَقْلِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يدخل لبسا على الرسالة ولاطعنا لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ السِّحْرُ ولهم فيه اضطراب فقال بعضهم لايزيد تَأْثِيرُهُ عَلَى قَدْرِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِمَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَتَهْوِيلًا بِهِ فِي حَقِّنَا فَلَوْ وَقَعَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ لِأَنَّ المثل لايضرب عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ إِلَّا بِأَعْلَى أَحْوَالِ الْمَذْكُورِ قَالَ وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عقلا لأنه لافاعل إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فهو عادة أجراها الله تعالى ولاتفترق الْأَفْعَالُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِقُصُورِهِ عَنْ مَرْتَبَةٍ لوجب المصير إليه ولكن لايوجد شَرْعٌ قَاطِعٌ يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ وَذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا النظر فى أنه ظاهر أم لاقال فَإِنْ قِيلَ إِذَا جَوَّزَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ خَرْقَ الْعَادَةِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ فَبِمَاذَا يَتَمَيَّزُ عَنِ النَّبِيِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَادَةَ تَنْخَرِقُ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ لَكِنَّ النَّبِيَّ يَتَحَدَّى بِهَا الْخَلْقَ ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عنالله تَعَالَى بِخَرْقِ الْعَادَةِ بِهَا لِتَصْدِيقِهِ فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ تَنْخَرِقِ الْعَادَةُ عَلَى يَدَيْهِ وَلَوْ خَرَقَهَا اللَّهُ عَلَى يَدِ كَاذِبٍ لَخَرَقَهَا عَلَى يَدِ الْمُعَارِضِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَأَمَّا الْوَلِيُّ وَالسَّاحِرُ فَلَا يَتَحَدَّيَانِ الْخَلْقَ وَلَا يَسْتَدِلَّانِ عَلَى نُبُوَّةٍ وَلَوِ ادَّعَيَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَنْخَرِقِ الْعَادَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>