للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١٣٥٣] لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح قَالَ الْعلمَاء الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب إِلَى دَار السَّلَام بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث قَولَانِ الأول لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح من مَكَّة لِأَنَّهَا صَارَت دَار إِسْلَام وَإِنَّمَا تكون الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَهَذَا يتَضَمَّن معْجزَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهَا تبقى دَار إِسْلَام لَا يتَصَوَّر مِنْهَا الْهِجْرَة وَالثَّانِي مَعْنَاهُ لاهجرة بعد الْفَتْح فَضلهَا كفضلها مَا قبل الْفَتْح كَمَا قَالَ الله تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة مَعْنَاهُ وَلَكِن لكم طَرِيق إِلَى تَحْصِيل الْفَضَائِل الَّتِي فِي معنى الْهِجْرَة وَذَلِكَ بِالْجِهَادِ وَنِيَّة الْخَيْر فِي كل شَيْء وَإِذا استنفرتم فانفروا مَعْنَاهُ إِذا دعَاكُمْ السُّلْطَان إِلَى الْغَزْو فاذهبوا إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله يَوْم خلق السَّمَاوَات قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْأَحَادِيث بعده أَن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وظاهرهما الِاخْتِلَاف وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف مَشْهُور فِي وَقت تَحْرِيم مَكَّة فَقيل من أول الزَّمَان أخذا بِهَذَا الحَدِيث وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَن الْأَحَادِيث الْأُخَر بِأَن تَحْرِيمهَا كَانَ خَفِي فأظهره إِبْرَاهِيم وأشاعه لَا أَنه ابتدأه وَقيل مَا زَالَت حَلَالا كَغَيْرِهَا إِلَى زمن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ ثَبت لَهَا التَّحْرِيم من زَمَنه أخذا بالأحاديث الْمَذْكُورَة وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث الأول بِأَن مَعْنَاهُ أَن الله كتب فِي للوح الْمَحْفُوظ أَو فِي غَيره يَوْم خلق السَّمَاوَات أَن إِبْرَاهِيم سيحرم مَكَّة بِأَمْر الله تَعَالَى وَأَنه لم يحل الْقِتَال إِلَى آخِره قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا ظَاهر فِي تَحْرِيم الْقِتَال بِمَكَّة وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة من خَصَائِص الْحرم أَن لَا يحارب أَهله فَإِن بغوا على أهل الْعدْل فقد قَالَ بعض الْفُقَهَاء يحرم قِتَالهمْ بل يضيق عَلَيْهِم حَتَّى يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة وَقَالَ جمهورهم يُقَاتلُون إِذا لم يُمكن ردهم عَن الْبَغي إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَن قتال الْبُغَاة من حُقُوق الله الَّتِي لَا يجوز إضاعتها فحفظها فِي الْحرم أولى من إضاعتها قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي وَأجَاب فِي سير الْوَاقِدِيّ عَن هَذَا الحَدِيث بِأَن مَعْنَاهُ تَحْرِيم نصب الْقِتَال عَلَيْهِم وقتالهم بِمَا يعم كالمنجنيق وَغَيره إِن أمكن إصْلَاح الْحَال بِدُونِ ذَلِك بِخِلَاف مَا إِذا تحصن الْكفَّار فِي بلد آخر فَإِنَّهُ يجوز قِتَالهمْ على كل حَال بِكُل شَيْء وَوَقع فِي شرح التَّلْخِيص للقفال الْمروزِي لَا يجوز الْقِتَال بِمَكَّة حَتَّى لَو تحصن فِيهَا جمَاعَة من الْكفَّار لم يجز لنا قِتَالهمْ قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا غلط وَلم تحل لي إِلَّا سَاعَة من نَهَار احْتج بِهِ من يَقُول إِن مَكَّة فتحت عنْوَة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة والأكثرين وَقَالَ الشَّافِعِي وَغَيره فتحت صلحا وتأولوا هَذَا الحَدِيث على أَن الْقِتَال كَانَ جَائِزا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَكَّة لَو لحتاج لفعله وَلَكِن مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ لَا يعضد أَي لَا يقطع شوكه قَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم قطع الشوك المؤذي وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِي وَقَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا لَا يحرم لِأَنَّهُ مؤذ فَأشبه الفواسق ويخصون الحَدِيث بِالْقِيَاسِ قَالَ النَّوَوِيّ وَالصَّحِيح مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِي وَلَا ينفر صَيْده أَي لَا يزعج فالإتلاف أولى وَلَا يختلي أَي لَا يُؤْخَذ وَلَا يقطع خَلاهَا بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُور الرطب من الْكلأ الْإِذْخر بِكَسْر الْهمزَة وَالْخَاء نَبَات مَعْرُوف طيب الرَّائِحَة فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِم فتح الْقَاف وَهُوَ الْحداد والصائغ وَمَعْنَاهُ أَنه يحْتَاج إِلَيْهِ فِي وقود النَّار ولبيوتهم أَي يحْتَاج إِلَيْهِ فِي سقوفها يَجْعَل فَوق الْخشب فَقَالَ إِلَّا الأذخر قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا مَحْمُول على أَنه أوحى إِلَيْهِ فِي الْحَال باستثناء الأذخر وتخصيصه من الْعُمُوم أَو أُوحِي إِلَيْهِ قبل ذَلِك أَن طلب أحد اسْتثِْنَاء شَيْء فاستثناه أَو أَنه اجْتهد

<<  <  ج: ص:  >  >>