للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= لمن لم يكن حاله كذلك كالرجل الذي جاءه ببيضة من ذهب فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته، ثم قال: "ويذهب أحدكم فيخرج ماله، ثم يجلس كلاً على الناس".
يدل على ذلك: ما قدمناه من رواية مسلم الصحيحة، عن ثابت، بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة، وقال: لابأس بها، وماذكرناه من رواية سعد بن أبي وقاص: أنه نهاهم أن يكروا بزرع موضع معين، وقال: أكروا بالذهب والفضة، وكذلك فهمته الصحابة، فإن رافع بن خديج قد روى ذلك وأخبر أنه لابأس بكرائها بالذهب والفضة، وكذلك فقهاء الصحابة، كزيد بن ثابت وابن عباس. ففي "الصحيحين" عن عمرو بن دينار قال: قلت لطاووس: لوتركت المخابرة، فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها. قال - أي: عمرو -: إني أعطيهم وأعينهم، وإن أعلمهم أخبرني –يعني ابن عباس - لم ينه عنه، ولكن قال: "وإن يمنح أحدكم أخاه خير له منيأخذ عليه خرجاً معلوماً"، وعن ابن عباس أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم المزارعة، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض. رواه مسلم مجملاً والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. فقد أخبر طاووس عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دعاهم إلى أفضل، وهو التبرع، قال: "وأنا أعينهم وأعطيهم"، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق الذي منه واجب، وهو ترك الربا والغرر، ومنه مستحب كالعارية والقرض، ولهذا لما كان التبرع بالأرض بلا أجرة من باب الإحسان، كان المسلم أحق به. فقال: "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليه خرجاً معلوماً"، وقال: "من كانت له أرض فليزرعها، أو يمنحها أخاه أو ليمسكها" فكان الأخ هو الممنوح، ولما كان أهل الكتاب ليسوا من الإخوان، عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يمنحهم، لاسيما والتبرع إنما يكون عن فضل غنىً، فمن كان محتاجاً إلى منفعة أرضه، لم يستحب له المنيحةن كما كان المسلمون محتاجين إلى منفعة أرض خيبر، وكما كان الأنصار محتاجين في أول الإسلام إلى أرضهمن حيث عاملوا عليها المهاجرين، وقد توجب الشريعة التبرع عند الحاجة كما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن إدخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة التي دفت، ليطعموا الجياع، لأن إطعامهم واجب، فلما كان المسلمون محتاجين إلى منفعة الأرض، أصحابها أغنياء عنها نهاهم عن المعارضة ليجودوا بالتبرع، ولم يأمرهم بالتبرع عيناً، كما نهاهم عن الادخار، فإن من نهى عن الانتفاع بماله جاد ببذله، وإذ لايترك بطالاً، وقدينهى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الأئمة عن بعض أنواع المباح في بعض الأحوال لما في ذلك من منفعة المنهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>