للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتب إلى بلاد الشام والمغرب بوفاة الحاكم وقيام الظاهر، ورسم لهم أخذ البيعة على نفوسهم ومن عندهم من سائر طبقات الناس. وأقيمت المآتم على الحاكم في القصور والقاهرة ثلاثة أيام. وجمعت السيدة عامة أهل مصر وخاطبتهم بالجميل والملاطفة، ووعدتهم حسن السيرة والمعاملة، وأمرتهم بذكر حوائجهم ومصالحهم في كل وقت، والمطالعة بحيف إن لحقهم من عامل أو ناظر ليفعل في ذلك ما توجبه السياسة العادلة. وأطلقت للنساء الخروج من منازلهن والتصرف في أمورهن. وارتجعت جواهر كان الحاكم وهبها، وحلت إقطاعا، أقطعها ورتبت الأمور ترتيبا أصلحها وهذبها.

وزارت ابن دواس في منزله، وجعلت مصادر التدبير على يده. فلما أحكمت ما أحكمته وأكدت ما أكدته، أحضرت ابن دواس وقالت له: قد علمت ما بيني وبينك من المواثيق والعهود، وأنا امرأة، وإنما أريد هذا الملك لهذا الصبي؛ وقد أحسن الله المعونة، وأجرى الأمور على المحبة، وأنت زعيم الدولة فيها والمنظور إليه منها؛ وقد رأيت أن أنجز وعدك وأظهره، وأرد إليك أمر السيادتين، مضافا إلى الشرطتين، وأجعل أمرك في الأمور والخزائن نافذا، ورأيك في التقريرات والتدبيرات معتمدا، إذ كنت المولى المخلص والشريك المخالط؛ وأشرفك بخلع وحملان يظهر للخاص والعام بها موضعك ومحلك، وتخصصك وتحققك. فادخل الخزائن واختر كل ما تريد لفخامته ولجلالته، واطلب يوماً تختار لتفاض فيه عليك الخلع ويقرأ العهد بتقليدك. فلما سمع من ذلك ما سمع سر به وقبل الأرض شكرا عليه. وشاع هذا الحديث فركب الناس إليه وهنئوه بالنعم المتجردة له.

وأحضرت السيدة بعد ذلك كاتب ابن دواس وقالت له: قد تقدمنا إلى سيف الدولة بما عرفته، وبما اعتمد التخفيف فيما أطعمه أو وقف فيه دون الغاية التي نريدها، وينبغي لك أن تعمل أنت تذكرة بجميع ما يستوفي فيه شروط المنزلة التي قدمناه إليها، والحال

<<  <  ج: ص:  >  >>