للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها خرج الأمير شمس الدولة توران شاه إلى بلاد الصعيد، وأوقع بالعربان، وغنم منها غنائم تجل عن الوصف، وعاد إلى القاهرة.

وفيها ابتدأ صلاح الدين بعمارة السور الجديد على القاهرة.

وفيها كثر بمصر عسكر صلاح الدين وأقاربه وأصحابه، وانكفت أمراء المصريين عن التصرف ومنعوا من كل شيء، فبسطوا ألسنتهم بالقول ضد ما عليه صلاح الدين وأصحابه من الفعل في محو آثار الدولة الفاطمية وإزالة رسومها، وخلع العاضد وقتله. والدعاء للخليفة العباسي. فلما رأى أمره قد قوي وأوتاد دولته قد تمكنت من البلاد عزم على إظهار ما يخفيه؛ فواعد أمراء النشابين على أن يمضوا إلى بيوت الأمراء المصريين في الليل، ويقف كل أمير منهم بجنده على باب أمير من أمراء مصر، فإذا خرج للخدمة قبض عليه واحتاط على داره وما فيها وأخذها لنفسه.

فأصبحوا واقفين على منازل الأمراء المصريين بأجنادهم، فما هو إلا أن يخرج الأمير من منزله ليصير إلى الخدمة على عادته فإذا بالأمير الشامي الذي قد عين له وقد قبض عليه وأوثقه، وهجم بمن معه على داره فملكها بجميع ما تحتوي عليه، وما يتعلق بصاحبها وينسب إليه من أهل ومال وخيول وعبيد وجوار، وماله من إقطاع. فلم ينتشر الضوء حتى علت الأصوات وارتفعت الضجات وثار الصياح من كل جانب، وصار الأمراء الشاميون في سائر نعم أمراء مصر، وأصبح الأمراء المصريون أسرى معتقلين في أيدي أعاديهم. فال أمرهم إلى أن صار الأمير منهم بواباً على الدار التي كان يسكنها، وصار آخر منهم سائس فرس كان يركبها، وصار آخر وكيل القبض في بلد كانت إقطاعاً له؛ ونحو ذلك من أنواع الهوان.

وبلغ ذلك العاضد فشق عليه وأرسل إلى صلاح الدين يسأله عن سبب القبض على الأمراء، فبعث إليه بأن هؤلاء الأمراء كانوا عصاةً لأمرك والمصلحة قتلهم وإقامة غيرهم ممن يمتثل أمرك. فسكت.

<<  <  ج: ص:  >  >>