للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ:

مضى بنا في أنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب، وليس من معانيه الكذب، ومع ذَلِكَ فَقَدْ اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله.

فَقَدْ ورد عن بعضهم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ:

((التدليس أخو الكذب)) (١) ، وَقَالَ أَيْضاً: ((لإنْ أزني أحب إليّ من أن أدلس)) (٢) .

ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ كثيراً، قَالَ أبو بكر البزار: ((التدليس ليس بكذب، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد)) (٣) .

وَالصَّحِيْح الَّذِيْ عليه الجمهور أنه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حَتَّى نرد جميع حديثه، وإنما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ -رحمه الله- فَقَالَ: ((ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه، ولا النصيحة في الصدق، فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق)) (٤) .

ويمكن حمل التشدد الوارد عن شعبة عَلَى ((المبالغة في الزجر عَنْهُ والتنفير)) (٥) .

وإذا تقرر هَذَا، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ؟ للعلماء فِيْهِ أربعة مذاهب:


(١) رَوَاهُ ابن عدي في الكامل ١/١٠٧، والبيهقي في مناقب الشَّافِعِيّ ٢/٣٥،والخطيب في الكفاية (٥٠٨ ت، ٣٥٥ هـ‍) .
(٢) رَوَاهُ ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل ١/١٧٣، وابن عدي في الكامل ١/١٠٧، والخطيب في الكفاية (٥٠٨ ت، ٣٥٦ هـ‍) .
(٣) نكت الزركشي ٢/٨١.
(٤) الرسالة: ٣٧٩ الفقرة (١٠٣٣ و ١٠٣٤) .
(٥) مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث: ٦٧، وطبعتنا ١٥٩.

<<  <   >  >>