للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

((شيوخ أبي داود كلهم ثقات))

الحقيقة بين التنظير والتطبيق

لقد لهج محررا "تقريب التهذيب" كثيراً بتوثيق شيوخ أبي داود، وتكررت مقولتهما: ((وأبو داود لا يروي إلا عن ثقة)) ، فما هي صحة هذه القاعدة، وما مدى التزام المحررين بها؟

وهكذا فإن طبيعة البحث العلمي تحتم علينا أن نجعل الكلام ذا شقين، الصحة ثم التطبيق.

لكن يحسن بنا بدءاً أن نتكلم أولاً عن التطور الزمني لنشوء هذا الادعاء.

والحقيقة أن هذه القاعدة قديمة النشوء، سبقت - يقيناً - الحافظ ابن القطان (ت ٦٢٨ هـ) ، إذ أنه أقدم من وجدناه ذكرها (بيان الوهم والإيهام ٥ / ٣٩ عقيب ٢٢٧٩) ، وهي نتيجة استقرائية، ظهرت من خلال تتبع شيوخ أبي داود، ولعل هذا الذي كان من شدة انتقاء أبي داود لشيوخه، إنما كان تأثراً بشيخه الإمام المبجل أحمد بن حنبل - رحمه الله -، وهي نتيجة لم يتفرد بها هذان الإمامان، بل شاركهما فيها عدد من الأئمة الحفاظ أمثال: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وبقي بن مخلد، وغيرهم.

والذي يجب أن نلحظه على هذا الادعاء جملة من الأمور هي:

١ - أنها نتيجة استقرائية وليست شرطاً التزم به أبو داود، لذا قال الحافظ ابن القطان (الموضع السابق) : ((هذا لم نجده عنه نصاً، وإنما وجدناه عنه توقياً في الأخذ)) (١) .

٢ - أنها خاصة به دون غيره، ومعلوم أن ما كان خاصاً بأحد لا يتعدى حكمه إلى غيره، ولذا فإن الحافظ ابن حجر لما ذكرها في تهذيبه، خصها بقوله: ((إلا عن ثقة عنده)) (٢) .


(١) على الرغم من كلام ابن القطان هذا، وكونه - كما قلنا - أقدم من وجدناه ذكر هذه القاعدة، فقد اضطرب منهجه فيها أيما اضطراب. (أنظر على سبيل التمثيل: الموضع السابق، و ٣ / ٤٦٦ عقيب ١٢٢٧) .
(٢) تهذيب التهذيب (٧ / ٥٠٥) .

<<  <   >  >>