للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مَسَاجِدَ} {أولئك} {خَآئِفِينَ} {الآخرة}

(١١٤) - يُشيرُاللهُ تَعَالَى فِي هذِهِ الآيَةِ إِلَى مَا وَقَعَ مِنَ القَائِدِ الرُّومَانِيِّ الذِي هَاجَمَ بَيْتَ المَقْدِسِ بَعْدَ مِيلادِ السَّيِّدِ المَسِيحِ، عَلَيهِ السَّلاَمُ، بِنَحْو سَبْعِينَ سَنَةً، بِتَحْرِيضٍ مِنَ النَّصَارَى الذِينَ هَرَبُوا إِلَى رُومَا تَخَلُّصاً مِنْ ظُلمِ اليهُودِ وَطُغْيَانِهِمْ وَمُؤَامَراتِهِمْ، فَدَخَلَ القُدْسَ وَخَرَّبَهَا، وَخَرَّبَ الهَيْكَلَ وَدُورَ العِبَادَةِ، وَأَحْرَقَ التَّورَاةَ. وَكَانَ المَسِيحَ قَدْ أَنْذَرَ اليَِهُودَ بِذلِكَ.

وَفِي هذِهِ الآيَةِ يُعَرِّضُ اللهُ تَعَالَى بِالكَافِرِينَ الذِينَ يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى مَسَاجِدِ اللهِ وَبُيُوتِهِ، لِيَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَهُ بِالتَّسْبِيحِ والصَّلاةِ، وَيَسْعَونَ فِي خَرَابِ هذِهِ المَسَاجِدِ.

وَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ هؤُلاءِ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَلاَ أَحَدَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ ظُلْماً. وَيَجِبُ أَنْ لاَ يَدْخُلَ هؤُلاءِ الظَّالِمُونَ إِلَى بُيُوتِ اللهِ - إِذَا قَدَرَ المُسْلِمُونَ عَلَيهِمْ - إِلاَّ وَهُمْ أَذِلَّةٌ يَدْفَعُونَ الجِزْيَةَ، أَوْ فِي ظِلِّ هدْنَةٍ يَعْقِدُونَهَا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَيَدْخُلُونَ المَسَاجِدَ وَهُمْ خَائِفُونَ مِنْ أَنْ يَبْطِشَ بِهِمُ المُسْلِمُونَ. وَهَؤُلاءِ الظَّالِمُونَ قَدْ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ خِزْياً فِي الحَيَاةِ الدُّنيا، بِأَنْ سَلَّطَ المُسْلِمِينَ عَلَيهِمْ، وَأَظْفَرَهُمْ بِهِمْ، وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَاباً عَظِيماً جَزَاءَ ظُلْمِهِمْ وَكُفْرِهِمْ.

(وَقِيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ: مِنْ مَظَاهِرِ عِدَاءِ هذِهِ الطَّوَائِفِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَرَّبَ مَعَابِدَ الطَّوَائِفِ الأُخْرَى، وَمَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَرِفُوا مِثْلَ هذَا الجُرْمِ الخَطِيرِ، وَإْنَّمَا كَانَ عَلِيهِمْ أَنْ يَحْفَظُوا لِلْمَعَابِدِ حُرْمَتَهَا، وَأَنْ لا يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَاشِعِينَ، وَأَنْ لاَ يَمْنَعُوا غَيْرَهُمْ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ فِيهَا) .

<<  <   >  >>