للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{جَآءُوا} {امرىء}

(١١) - هَذِهِ الآيَةُ أشَارَتْ إِلَى حَدِيثِ الإِفْكِ الذي أَطْلَقَهُ بَعْضُ المُنَافِقِينَ بِحَقِّ عَائِشَةَ أَمَّ المُؤْمِنِينَ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْها. وَتَتَلَّخَصُ هَذِهِ القِصَّةُ فِي الآتي:

(كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا أَجْرَى القُرْعَةَ بَينَ نِسَائِهِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهَا مِنْهُنَّ صَحِبَها فِي غَزَوَتِهِ، وَفِي إِحْدَى الغَزَوَاتِ خَرَجَ سَهْمُ عَائِشَة رِضْوَانُ اللهِ عَليها، وَذَلِكَ بَعْدَما أُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، فَلَمَّا فَرَغَ الرَّسُولُ مِنَ الغَزْوَةِ قَفَلَ عَائِداً بِالجَيْشِ، وَلَمَّا دَنَوْا مِنَ المَدِينَةِ آذَنَ النَّاسَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ، فَلَمَا آذَنَهُمْ بِالرَّحِيلِ خَرَجَتْ عَائِشَةُ لِقَضَاءِ بَعْضِ حَاجَتِهَا، حَتَّى جَاوَزَت الجَيشَ. ثُمَّ عَادَتْ فالتمَسَتْ عِقْداً لَهَا فَوَجَدَتْهُ قَدِ انْفَرَطَ، فَرَجَعَتْ تَلْتَمِسُهُ، فَتَأَخَّرَتْ فِي البَحْثِ عَنْهُ. وَجَاءَ الرِّجَالُ الذينَ كَانُوا يَحْمِلُونَهَا، فاحْتَمِلُوا هَوْدجَها فَرَحَّلُوهُ عَلَى بَعِيرِهَا الذي كَانَتْ تَركَبُهُ، وهُمْ يحسَبُونَ أَنَّها فيهِ (وَكَانَ النِّسَاءُ في ذَلِكَ الحِينِ خِفَاقاً لَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ) فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الرِّجَالُ خِفَّةَ الهَوْدَجَ حِينَمَا رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى البَعِيرِ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذْ ذَاكَ صَغِيرَةَ السِّنِّ، خَفِيفَةَ الوَزْنِ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا.

أَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّهَا وَجَدَتْ عِقْدَهَا بَعْدَ أَنْ سَارَ الجَيْشُ، فَلَمَّا جَاءَتْ مَنَازِلَ الجَيْشِ وَجَدَتْهُ قَدْ ارْتَحَلَ، فَاتَّجَهَتْ إِلى المَكَانِ. الذي كَانَتْ تَنْزِلُ فِيهِ، وَفِي ظَنِّهَا أَنَّ القَوْمَ سَيَفْتَقِدُونَهَا فَيَرْجِعُونَ للبحْثِ عَنْهَا. وَبَيْنَمَا كَانَتْ جَالِسَةً غَلَبَتْهَا عَيْنَاهَا فَنَامَتْ.

وَكَانَ صفْوَانُ بنُ مُعَطِّل السّلَمِي - وَهُوَ مِنْ جَنْدِ المُسْلِمِينَ - قَدْ عَرَّسَ غَازِياً مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ فَأَدْلَجَ (سَارَ لَيْلاً) فَأَصْبَحَ عِنْدَ المَنْزِلِ الذي كَانَتْ عَائِشَةُ فِيهِ، فَرَأى سَوَادَ إِنْسَانٍ فَاقْتَرَبٍ فَعَرفِ عَائِشَةَ حِينَ رآهَا، وَكَانَ قَدْ رآهَا قَبْلَ الحِجَابِ، فاسْتَرْجَعَ حَتَّى اسْتَيْقَظَتْ عَائِشَةُ، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَرَكِبَتَ، وَقَادَ الرَّاحِلَةَ وَسَارَ بِهَا حَتَّى أَتَى الجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا عِنْدَ الظَهِيرَةِ.

وَتَقُولُ عَائِشَةُ: واللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَاحِدَةً.

فَانْطَلَقَ المُنَافِقُونَ - وَعَلَى رَأْسِهِمْ رَأْسُ الكُفِرِ والنِّفَاقِ عَبْدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ - يَتَقَوَّلُونَ وَيُلَمِّحُونَ بِمَا يُثِيرُ الشُّبُهَاتِ فِي نُفوسِ ضِعَافِ الإِيْمَانِ والذِّمَمِ، فَخَاضَ فِيهِ مَنْ خَاضَ. وَهَلَكَ فِيهِ مَنْ هَلَكَ.

ثُمَّ مَرِضَتْ عَائِشَةُ بَعْدَ عَوْدَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ، وَهِيَ لاَ تَعْلَمُ شَيئاً مِمَّا يَتَقَوَّلُهُ المُنافِقُونَ، وَقَدْ رَابَهَا مَا لاَحَظَتْهُ مِنْ أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُظْهِرْ لَهَا مِن اللُّطْفِ فِي المُعَامِلَةِ مِثْلَمَا كَانَتْ تَراهُ مِنْهُ حِينَ تَشْتَكِي عِلَّةً. وَحِينَما بَدَأَتْ تَسْتَرِدُّ صِحَّتَهَا، خَرَجَتْ مَعَهَا أُمُّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي المُطَّلِبِ اسْمُهُ مِسْطَحٌ، وَهُوَ ابنُ خَالَةِ أَبي بَكْر الصِّدِّيقِ، وَكَانَ أبُو بَكْرٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لأَنَّهُ كَانَ مُقِلاًّ مِنَ المَالِ. فَعَثَرتْ أُمَّ مِسْطِحٍ بِمُرْطِها فَقَالَتْ تَعْسَ مِسْطَحٌ.

فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: بِئْسَما قُلْتِ تَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْراً! فَأَدْرَكَتْ أُمُّ مِسْطحٍ أَنَّ عَائِشَةَ لاَ تَدْرِي مِمَّا يُقَالُ عَنْهَا شَيئاً، فَأَخبَرتها بِحَدِيثِ الإِفْكِ فازْدَادَ مَرَضُها.

<<  <   >  >>