للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مِمَّا} {أَيْمَانُكُمْ} {رَزَقْنَاكُمْ} {الآيات} (٢٨) - وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُشْرِكين الذينَ يَجْعَلُونَ للهِ شُرَكَاءَ، فَيَعْبُدُونَ مَعَ اللهِ آلهةً غَيْرَهُ، وَهُمْ مَعَ ذَلك مُعْتَرِفُونَ أًَنْ شُرَكَاءَهُمْ مِنَ الأَصْنَامِ عِبيدٌ للهِ، وَمُلْكٌ لَهُ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ في طَوَافِهِمْ حَوْلَ الكَعْبَةِ: (لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ إِلا شَرِيكاً هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ) ، فَقَالَ تَعَالى لَهَمْ: إِنَّ اللهَ يَضْرِبُ لَكُم مَثَلاً مُنْتَزَعاً مِنْ أَحوالِ أَنْفُسِكُمْ وَأَوْطَارِها، وَهِيَ أقربُ الأَشياءِ إِليكُم، وَبِهِ يَسْتبِينُ مِقْدَارُ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ بِعِبَادَتِكُمُ الأَصْنَامَ والأَوثَانَ. وَهذا المَثَلُ هُوَ: هَلْ يَرْضَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ شَرِيكاً لَهُ فِي مَالِهِ فَيَكُونَ مَعَهُ عَلى السَّواءِ في التَّصَرّفِ فِي المَالِ، فيَحْسبُ حِسَابَهُ مَعَهُ، فَلا يَتَصَرَّفُ في شَيءٍ مِمَّا يَملِكُ مِنْ دُونِ إِذْنِهِ، كَمَا يَحْسبَ حِسَابَ الشَّريكِ الحُرِّ المُمَاثِلِ، ويَخْشَى أَنْ يَجُورَ عليهِ شَرِيكُهُ، كَمَا يَتَحَرَّجُ هُوَ مِنَ الجَوْرِ عَلَى شَرِيكِهِ لأنَّهُ كُفْءٌ لَهُ وَنِدٌّ (تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُم) ، فَهلُ يَقَعُ شَيءٌ مِنْ ذَلكَ فِي مُحِيطِكُمُ القَرِيبِ وشَأْنِكُمُ الخَاصِّ؟ فَإِذا كَانَ شَيءٌ مِنْ ذَلكَ لاَ يَقَعُ، فَكَيفَ تَرْضَونَهُ في حَقِّ اللهِ تَعَالى ولَهُ المَثَلُ الأَعلَى؟

ثُمَّ قَالَ تَعَالى إٍنَّهُ يُفَصِّلُ الآياتِ مثلَ هذا التَّفْصِيلِ البَديعِ بِضَربِ الأَمثَالِ الكَاشِفَةِ للمَعَاني، ليُقَرِّبَها مِنْ أفهَامِ مَنْ يَسْتَعْمِلُونًَ عُقُولَهُمْ في تَدَبٌّرِ الأَمثالِ، واستِخراجِ المَعَاني لِلوُصُولِ إِلى الأَغْراضِ التي تَرْمي إِليها.

<<  <   >  >>