للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ - يَجْرِي قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ أَوْ

{ياأيها} {مَرْضَاةَ} {أَزْوَاجِكَ}

(١) - هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ إِثْرَ حَادِثٍ بَسِيطٍ وَقَعَ، وَكَانَ مِنْ نَتِيجَتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَلَفَ عَلَى أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ العَسَلَ (وَقِيلَ بَلْ حَلَفَ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَمَتَهُ مَارِيَةَ القِبْطِيَّةَ) .

فَوَفْقاً لِلْرِوَايَةِ الأُولَى - كَمَا رَوَتْهَا أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهَا: كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ شُرْبَ العَسَلِ، وَكَانَ إِذَا انْصِرَفَ مِنَ العَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، وَكَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وفَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسََلاً، فَتَوَاطَأَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى أَنْ يَقُلْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهنَّ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. (والمَغَافِيرُ نَوْعٌ مِنْ صِمْغِ بَعْضِ الشَّجَرِ) أَكَلْتَ مَغَافِيرَ. وَكَانَتْ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ مُتَصَافِيتَيْنَ، مُتَظَاهِرَتِينِ عَلَى سَائِرِ أَزْواجِ النَّبِيِّ. فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ. فَقَالَ النَّبِيُّ لاَ، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ فَلا تُخْبِري أَحَداً بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ حَفْصَةَ أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِمَا تَمَّ.

وَوَفْقاً لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابَ جَارِيتَ مَارِيَةَ (أُمَّ ابنِهِ إِبْرَاهِيمَ عَليهِ السَّلامُ) فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: أَيْ رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ فَجَعَلَهَا النَّبِيُّ عَليهِ حَرَاماً.

فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ يُعَاتِبُهُ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ، وَأَمَرَهُ بِالتَّكْفِيرِ عَنْ يَمِينِهِ فَفَعَلَ.

وَمَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِكَ شَيْئاً أَحَلَّهُ اللهُ لَكَ، وَأَنْتَ تُرِيدُ بِتَحْرِيمِهِ مرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ؟ وَاللهُ غَفُورٌ لِذُنُوبِ التَّائِبينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَدْ غَفَرَ لَكَ امْتِناعَكَ عَمَّا أَحَلَّهُ اللهُ لَكَ، وَهُوَ رَحِيمٌ بِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ لاَ يُعَاقِبُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ أَنْ غَفَرَهُ لَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ.

<<  <   >  >>