للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: أن سحر الرسول صلى الله عليه وسلم، يرفع من مقام النبوة وشرفها ولا يحط من شأنها؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم، لم يكن معصوماً من الأمراض فلقد كان يأكل، ويشرب، ويمرض، وتجرى عليه كل النواميس المعتادة التى أودعها الله فى ولد آدم، وليس فى السحر على الهيئة الواردة ما ينقص من قدره كإمام لسائر الأنبياء والمرسلين (١) .

... قال القاضى عياض: "وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده، وظواهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده. ويكون معنى قوله فى الحديث: "حتى يظن أنه يأتى أهله ولا يأتيهن" ويروى: "يخيل إليه" بالمضارع كلها: أى يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن، فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن، ولم يتمكن من ذلك كما يعترى المسحور.

بل وكما يعترى الرجل السليم قوى البدن، المحطم للأرقام القياسية فى رفع الأثقال، يظن تحطيم رقم قياسى أعلى، وعند محاولة الرفع لا يستطيع، ومثل ذلك أيضاً الإنسان فى حالة النقاهة من المرض، يظن أن به قدرة على الحركة، وعندما يهم بذلك لا تحتمله قدماه.

قال القاضى عياض: وكل ما جاء فى الروايات من أنه يخيل إليه فعل شئ ولم يفعله ونحوه، فمحمول على التخيل بالبصر، لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس فى ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الضلالة" (٢) .


(١) انظر: السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم لفضيلة الدكتور عبد الموجود ص ٢٣٩، والسحر والسحرة والوقاية من الفجرة للأستاذ تاج الدين نوفل ص٢٩، ٦٣، ٦٤.
(٢) المنهاج شرح مسلم للنووى ٧/٤٣١ بتصرف، وانظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضى عياض ٢/١٨٠-١٨٣.

<<  <   >  >>