للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى إذا كانت فتنة سيدنا عثمان رضي الله عنه رأيناهم يشكون فى عدالته، فيعلنون التوقف فيه وفى خاذلية وقاتليه وترك البراءة من واحد منهم، لأنهم أشكل عليهم الأمر فى حاله رضي الله عنه قبل الفتنة وبعدها، فتركوا أمره لله عزَّ وجلَّ.

وهذا التوقف والشك فى عدالة أمير المؤمنين، حكاه كما سبق الخياط عن واصل بن عطاء، وقال الخياط: هذا قول لا تبرأ المعتزلة منه، ولا تعتذر من القول به (١) .

حتى إذا كانت فتنة على بن أبى طالب ومعاوية - رضى الله عنهما - رأيناهم ما بين موقن بفسق إحدى الطائفتين لا بعينها، وما بين موقن بفسقهما معاً، وأعلنوا البراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن كان فى شقهما (٢) ، بل إن البلخى وهو أحد شيوخ المعتزلة تجرأ برميهما - رضى الله عنهما - بالإلحاد، كما سبق (٣) .

حكى الإمام عبد القادر البغدادى فى كتابه (الفرق بين الفرق) عن شيخ المعتزلة واصل ابن عطاء زعمه أن فرقة من الفرقتين (أصحاب الجمل وصفين) فسقه لا بأعيانهم، وأنه لا يعرف الفسقة منهما، وأجازا أن يكون الفسقة من الفرقتين علياً وأتباعه، كالحسن، والحسين، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبى أيوب الأنصارى، وسائر من كان مع على يوم الجمل، وأجازا كون الفسقة من الفرقتين عائشة، وطلحة، والزبير، وسائر أصحاب الجمل، ثم قال فى تحقيق فى الفرقتين لو شهد على، وطلحة، أو على، والزبير، أو رجل من أصحاب الجمل عندى على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما، لعلمى بأن أحدهما فاسق لا بعينه، كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمى بأن أحدهما فاسق لا بعينه، ولو شهد رجلان من إحدى الفرقتين أيهما كان قبلت شهادتهما.

يقول الإمام البغدادى: "ولقد سخنت عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشك شيخ المعتزلة فى عدالة على واتباعه، ومقالة واصل فى الجملة كما قلنا فى بعض أشعارنا:

مقالة ما وصلت بواصل *** بل قطع الله به أوصالها (٤)


(١) الانتصار ص ١٥٢، ١٥٣.
(٢) ومن عجيب الأمر أن الخياط يعيب على المحدثين عدم أخذهم بأصل المعتزلة بالبراءة من معاوية، وعمرو بن العاص ومن فى شقهما، فيقول [ولقد أفرطوا فى ذلك حتى تولوا من قامت الحجة بعدواته والبراءة منه] انظر: الانتصار ص ٢١٣.
(٣) راجع: ص ١١١.
(٤) الفرق بين الفرق ص١١٧، وانظر: الملل والنحل للشهرستانى ١ /٤٣، وميزان الاعتدال للذهبى ٤ /٣٢٩.

<<  <   >  >>