للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. إن حدوث الفتن أفاد السنة المطهرة فائدة كبيرة، ويمكن أن نقارن هذا الأثر الإيجابى بأثر اللحن على اللغة العربية، إذ عندما ظهر اللحن وفشا، واختلط العرب بالعجم، ظهرت الحاجة إلى تقعيد النحو وضبطه وتدوين شواهده، فكان اللحن مفسدة من جهة أثره على الفطرة اللغوية السليمة، ولكنه كان حافزاً لحفظ اللغة وتأسيس مناهجها. وإن فشو اللحن فى ذلك الزمن المبكر حيث الفصاحة والبيان والفطرة اللغوية فى قلب الجزيرة العربية، قد مكن العلماء من استنباط القواعد وجمعها، والتوصل إلى مناهج الضبط اللغوى. ولو تأخر اللحن حتى زالت السليقة عن طريق الاختلاط بين العرب والعجم لحدثت مشكلة لا حل لها ولا علاج.

... وكذلك الحال بالنسبة للحديث، فقد ظهرت الفتن والصحابة أحياء، والرواية قريبة من مصدرها الأصلى، وخطوط الاتصال بين الصحابة والنبى صلى الله عليه وسلم قائمة مفتوحة كل هذا ساعد على استقرار المنهج، ولو تأخرت الفتنة، ووقعت بعد عصر الصحابة، وقد بعدت الرواية عن مصدرها، فإنه لا يمكن عندئذ استكمال القواعد المنهجية.

... لقد أثرت الفتنة على النظام السياسى الإسلامى، ولكنها فى الوقت ذاته ساعدت على تأصيل مختلف العلوم الإسلامية، وأبرزت مناهجها.

... ولقد خاب ظن أعداء الإسلام من غلاة الشيعة، والمستشرقين، ودعاة الإلحاد المتكئين على الفتنة باعتبارها مصدر تشكيك بالسنة النبوية. وكان الأجدر أن يعلموا أن الحديث قد أخذ من المغانم أكثر مما دفع من المغارم.

<<  <   >  >>