للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانظر كيف كان الخلفاء يهابون العلماء، هاهو الخليفة المهدى يدخل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا قام إلا ابن أبى ذئب فقيل له: قم، فهذا أمير المؤمنين، قال: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدى: دعوه فقد قامت كل شعرة فى رأسى (١) .

... وانظر كيف يتمنى أبو جعفر المنصور أن يجلس فى وسط المحدثين لينال من صالح دعائهم لما قيل له: هل بقى من لذات الدنيا شئ لم تنله؟ قال: بقيت خصلة، أن أقعد فى مصطبة، وحولى أصحاب الحديث، يقول المستملى: من ذكرت، رحمك الله، قال: فغدا عليه الندماء، وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر، فقال: لستم بهم، إنما هم الدنسة ثيابهم المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، برد الآفاق، ونقلة الحديث (٢) .

... ثم ماذا يبتغى هؤلاء من مسايرتهم لأهواء الأمويين والعباسيين أيبتغون المال؟ أم الشهرة؟ إن التاريخ يشهد بأنهم لم يستعبدهم المال ولا الشهرة، وقد قيل أنه لم ير السلاطين والملوك والأغنياء فى مجلس أحقر منهم فى مجلس الأعمش، مع شدة حاجته وفقره (٣) .

وهل يبلغ الحمق، والغباوة بهم، أن يبيعوا دينهم، وسمعتهم بين المسلمين، وهم لا يطمعون فى مال ولا جاه ولا منصب؟ أ. هـ.


(١) تذكرة الحفاظ ١/١٩٢.
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٢٤٨.
(٣) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوى ص ٨٣.

<<  <   >  >>