للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمام الشاطبى ومن أساء فهمه من علماء المسلمين ومن اتخذ كلامه من أعداء السنة ستاراً للتشكيك فى حجية السنة، واستقلالها بتشريع الأحكام

... عرفنا فيما سبق أن الإمام الشاطبى عندما قال بتأخر مرتبة السنة عن الكتاب، كان ذلك لمدارك بعيدة كل البعد عن منزلة السنة التشريعية، وحجيتها ووجوب العمل بها. فكان الخلاف ببينه وبين جمهور العلماء خلافاً لفظياً - كما سبق -.

... وعرفنا أيضاً: أنه فى مسألة استقلال السنة بالتشريع، أقر بوجود الأحكام التى استقلت بها السُّنة، إلا أنه لم يسم ذلك (استقلالاً) وإنما سماه (بياناً) فهو يرى أن وظيفة السنة البيان بأنواعه، من تفصيل مجمل، وتقييد مطلق، وتخصيص عام، وتوضيح مشكل، وما جاء زائداً فى السُّنة هو فى نظره نوع من أنواع البيان، وداخل تحت قاعدة من قواعد القرآن الكريم.

... وفى كل الأحوال هذا البيان حجة ويجب العمل به. ومن هنا كان الخلاف بينه وبين جمهور العلماء فى تلك المسألة أيضاً خلافاً لفظياً لا يترتب عليه عمل.

اللهم إلا أصحاب المأخذ السادس الذين أنكروا ورود السنة بما لم ينص عليه الكتاب.فكان الخلاف بينهم وبين الجمهور خلافاً حقيقياً، وقد علمت أن الإمام الشاطبى لم يتابعهم على ذلك.

إلا أن بعض علماء المسلمين أساء فهم الإمام الشاطبى فى المسألتين (تأخر مرتبة السنة فى الاعتبار عن القرآن) و (استقلال السنة بالتشريع) التى عنون لها بـ (أصول السنة فى القرآن الكريم) (١) . والتى فصلها فى عنوان (كيفية رجوع السنة إلى الكتاب) (٢) ، حيث فهموا أن الإمام الشاطبى لا يؤمن إلا بالسنة البيانية المفسرة، أما المستقلة فلا، حيث زعموا أنه يرى أن السنة لا تستقل بتشريع أحكام زائدة، فمهمة الرسول البلاغ والبيان فقط.

... وممن فهم ذلك الشيخ محمد عبد العزيز الخولى - رحمه الله - فى كتابه (مفتاح السنة) بعد أن استشهد بكلام الشاطبى فى أن السنة راجعة فى معناها إلى الكتاب، تفصل مجمله، وتبين مشكله، وتبسط مختصره، وذكر بيان الشاطبى فى كيفية رجوع السنة إلى الكتاب.


(١) الموافقات ٤/٣٩٦.
(٢) المصدر السابق ٤/٤٠٦.

<<  <   >  >>