للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: إنما لام موسى -عليه السلام- آدم -عليه السلام- على المصيبة التى أخرجته لا على المعصية، لأن العبد مأمور أن يحتج بالقدر عند المصائب كما قال صلى الله عليه وسلم "وإن أصابك شئ فلا تقل: لو أنى فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان" (١) . وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (٢) واستحسن هذا القول الإمام الطحاوى (٣) .

الثانى: إن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع فى موضع، ويضر فى موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته كما فعل آدم، ويضر الاحتجاج به فى الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلاً محرماً، أو يترك واجباً فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر عليه ويصر، فيبطل الاحتجاج به حقاً، ويرتكب باطلاً، كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم لغير الله، فقالوا كما حكى رب العزة عنهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَاءَابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (٤) .

... وخلاصة ذلك أن اللوم إذا ارتفع، صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل (٥) .


(١) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله ٨/٤٦٦، ٤٦٧ رقم ٢٦٦٤.
(٢) الآية ٢٢ من سورة الحديد.
(٣) شرح الطحاوية ١/١٧٠ وما بعدها وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص ٣٦٨.
(٤) الآية ١٤٨ من سورة الأنعام.
(٥) شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر ص ٣٨، ٣٩ بتصرف.

<<  <   >  >>