للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وكيف ابتدأ بالإكرام قبل العتب (وهل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا إن كان ثمَّ عتب) وأنس بالعفو قبل ذكر الذنب إن كان ثمَّ ذنب، وهكذا فى أثناء عتبه براءته، وفى طى تخويفه تأمينه وكرامته (١) . إن قوله تعالى: {لم أذنت لهم} غاية ما يمكن أن يدعى فيها أن تكون دالة على أنه صلى الله عليه وسلم ترك الأولى والأفضل، وقد بينت أن ترك الأولى ليس بذنب، وقد يقول أحدنا لغيره إذا ترك الندب، لم تركت الأفضل، ولم عدلت عن الأولى، ولا يقتضى ذلك إنكاراً، ولا ذنباً (٢) .

... أما قول بعضهم: إن هذه الآية تدل على أنه وقع من الرسول ذنب، لأنه تعالى قال: {عفا الله عنك} والعفو يستدعى سابقة ذنب، وأن الاستفهام فى قوله تعالى: {لم أذنت لهم} استفهام بمعنى الإنكار (٣) .

فهذا قول من يجهل لغة العرب فى استفتاح كلامهم بهذه الجملة ونحوها يقصدون بها تكريم المخاطب، إذا كان عظيم القدر، وتحاشياً عن جعل الاستفهام أول كلام للمعظم.

وليس "عفا" هنا فى الآية بمعنى "غفر" أى ستر، وترك المؤاخذة بل بمعنى: لم يلزمك شيئاً فى الأذن، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنى قد عفوت عنك عن صدقة الخيل والرقيق، ولكن هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهماً، درهماً" (٤) .


(١) الشفا ١/٢٨، ٢٩، ٣٠ بتصرف، وقارن بشرح الزرقانى على المواهب ٩/٤٠.
(٢) ينظر: تنزيه الأنبياء لعلى الحسين الموسوى ص١١٤ بتصرف.
(٣) سيأتى بعد قليل التعرف بهم، ورد الأئمة عليهم.
(٤) أخرجه ابن ماجة فى سننه كتاب الزكاة، باب زكاة الورق والذهب ١/٥٥٩ رقم ١٧٩٠، وأبو داود فى سننه كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة ٢/١٠١ رقم ١٥٧٤، والترمذى فى سننه كتاب الزكاة، باب ما جاء فى زكاة الذهب والورق ٣/١٦ رقم ٦٢٠ وقال: حديث صحيح، والنسائى فى سننه الصغرى كتاب الزكاة، باب زكاة الورق ٥/٣٧ رقم ٢٤٧٧ من حديث على بن أبى طالب رضى الله عنه.

<<  <   >  >>